تحالف الطلقاء والأحبار: من معاوية إلى الجولاني… السيف واحد والعدو واحد
السياسية || كيان الأسدي*
لم يكن لبني أمية عداءٌ يُذكر تجاه اليهود عبر التاريخ، بل كانت العلاقة بين الطرفين تحكمها المصالح، وتتقاطع في مواجهة المشروع المحمدي الأصيل. فمنذ تأسيس دولتهم (41هـ – 132هـ)، لم تُسجَّل أي مواجهة عقائدية أو سياسية مع اليهود، رغم وجودهم الكبير في بلاد الشام والعراق والحجاز والمغرب. بل على العكس، استعان بعض الخلفاء الأمويين بأطباء ومستشارين يهود، وسمحوا لهم بالعمل في مؤسسات الدولة، وهو ما استمر لاحقًا في العصر العباسي.
إنَّ الصراع الأزلي لبني أمية لم يكن مع اليهود ولا مع الروم، بل كان موجَّهًا نحو آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، الذين رأوا فيهم تهديدًا وجوديًا لمشروعهم القائم على الغلبة والملك العضوض. لقد تقاطعت مصالح بني أمية واليهود في مواجهة خط الولاية، وتحوّلت العلاقة إلى تبادل أدوار وظيفي لضرب الرسالة المحمدية الخالصة.
بنو أمية، كما تصفهم الأدبيات الاسلامية، هم امتدادٌ لعداء قريش الأول للإسلام، سلالة من طلقاء قريش، في مقدمتهم أبو سفيان رأس النفاق والعداوة للنبي (ص) الذي مات على غير الإسلام، كما تؤكد الروايات. وما إن تمكّنوا من رقاب الأمة حتى أعادوا الجاهلية تحت غطاء الإسلام، وبدأوا بمسخ الدين ومبادئه، كما فعل بنو إسرائيل بعد رحيل موسى (عليه السلام)، حين حرّفوا التوراة ونقضوا المواثيق.
وقد شبَّه الإمام علي (عليه السلام) فتنة بني أمية بفتنة بني إسرائيل، فقال في نهج البلاغة (الخطبة 192):
“كأنّي بكم وقد فتحتم أفواهكم وتلقفتم فتنة بني أمية كفم الجراد.”
هذا التشبيه العميق يؤكّد أن المسار الأموي في الأمة امتدادٌ للمسار الإسرائيلي في بني إسرائيل: تحريف، تضليل، وتسلّط.
أحد أبرز رموز التحالف الأموي-اليهودي كان كعب الأحبار، الحبر اليهودي الذي تظاهر بالإسلام، وتسلّل إلى الدولة الإسلامية، ليتحوّل إلى مرجع في بلاط معاوية بن أبي سفيان. وقد استخدمه الأخير في ترويج الإسرائيليات ودسّ مفاهيم محرفة في الدين، لتشويش عقائد الناس وصرفهم عن ولاية أهل البيت عليهم السلام.
وقد ذكرت الكتب، ومنها رجال الكشي وبحار الأنوار (ج25)، أن كعب الأحبار مارس هذا الدور التضليلي بإشراف مباشر من معاوية، مما يكشف عن مشروع ممنهج لا مجرد اختراق عابر.
بل إن الروايات تشير إلى أن بني أمية استعانوا بأعداء الله لتمكين سلطانهم، كما في الحديث المنسوب للإمام محمد الباقر (عليه السلام):
“إذا رأيتم بني أمية قد ملكوا الناس، واستعانوا بأعداء الله، فاعلموا أن الساعة قد دنت.”
(تفسير العياشي)
إنها شهادة تؤكد أن بني أمية لم يتورعوا عن التحالف مع أحبار اليهود وأعداء الدين لأجل تثبيت سلطانهم، ولو على حساب العقيدة والشريعة.
وتذكر مصادرنا المعتبرة، كـالكافي والغيبة للنعماني، أن بني أمية سعوا لتحريف معالم الدين، خصوصًا مفاهيم الولاية والعدالة، وهي نفسها التي استهدفها أحبار بني إسرائيل بعد الأنبياء، في مسعى لإفراغ الدين من جوهره وتحويله إلى طقوس ميتة تبرّر الظلم والاستبداد.
واليوم، يعيد التاريخ نفسه بصور مختلفة ووجوه جديدة، لكن الجوهر واحد. فقد عادت الروح الأموية إلى الشام من جديد، على يد الجولاني، الذي لا يخفي ولاءه لمعاوية، بل يتبجّح بالسير على خطاه. وتحويل سوريا إلى ساحة يُفاخر فيها المرتزقة بإعادة أمجاد بني أمية، لا عبر بناء حضارة، بل عبر تكرار سفك الدم وقتل المقاومين والانبطاح أمام الكيان الصهيوني.
الجولاني اليوم هو معاوية الأمس، لا يتردد في تسليم الأرض والمقدّرات لإسرائيل مقابل كرسي الحكم، تمامًا كما باع معاوية دين محمد (ص) ليحكم رقاب الأمة. الصهاينة في سوريا يسرحون ويمرحون، لا يقابلهم أحد، بينما تُوجّه البنادق إلى صدور المقاومين والمدافعين عن شرف الأمة.
وليس غريبًا أن يستمر تحالف الطلقاء والأحبار، لأن القاعدة باقية:
من يعادي آل محمد، سيتحالف بالضرورة مع من قتل الأنبياء، وحرف الكتب، واحتل الأرض.
فالسيف واحد، والعدو واحد، وإن اختلفت الأسماء والرايات.
• المقال يعبر عن رأي الكاتب