جريمة الإبادة الجماعي في غزة وحظوظ ترامب بجائزة نوبل للسلام وهزلية القرار الدولي
السياسية - تقــرير :
ما يحصل هو أن مجرم حرب وملاحق دوليًا كنتنياهو يرشح متعهد جريمة الإبادة الجماعية في غزة، وهو دونالد ترامب، لنيل جائزة نوبل للسلام؛ وهذا لم يأت تبجحًا؛ بل هي حقيقة تقرير واقع؛ حقيقة نقرأ من خلالها متن المفاهيم التي تسند من يصنع قرارات الحرب في عالمنا.
أثار ترشح المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بنيامين نتنياهو لرئيس الولايات المتحدة الراعي الرسمي لجريمة الإبادة الجماعية في غزة، لجائزة نوبل للسلام، جدلا واسعا ونقاشا حادا نجم عنه عدة تساؤلات تبحث في مدى واقعية هذا الترشيح، خاصة وأن الترشيح من قبل هذا المجرم جاء بعد انقضاء المهلة الرسمية المخصصة لتقديم الترشيحات؛ علاوة أن الترشيح لم يقتصر على نتنياهو، بل سبقته في ذلك باكستان.
فيما يواصل نتنياهو في "تل ابيب" المراوغة والمماطلة في مفاوضات وقف إطلاق النار التي تجري في الدوحة، يستمر رفيقه رجل الأعمال ترامب أيضا في الإدلاء بتصريحاته المتفائلة في واشنطن بقرب التوصل إلى اتفاق في غزة خلال أيام أو في أسبوع أو أسبوعين ليطيل أمد المفاوضات ليتيح الفرصة للعصابة الصهيونية في مواصلة ارتكاب المجازر والإبادة في قطاع غزة المحاصر؛ وهو بهذا يكرس اسم الولايات المتحدة كراع لجريمة الإبادة الجماعية في غزة.
تواصل على الأرض في قطاع غزة، قوات العدو الإسرائيلي جريمة الإبادة الجماعية والإمعان في القتل والتجويع والتدمير والتهجير من ناحية، ومن ناحية أخرى التوغل والتهام مناطق القطاع، كما يجري بالتوازي بلورة مخطط استعماري صهيوني لإقامة ما يسمى "مدينة غزة الإنسانية"؛ وهو عنوان لجريمة كبرى يُخطط لها من قبل الكيان الإسرائيلي على مرأى ومسمع من العالم.
ينفذ المخطط الصهيوني من خلال التوغل في قطاع غزة، ومحاولة السيطرة على أراض إضافية بالتوازي مع زيارة نتنياهو للولايات المتحدة، وكذلك بدء جولة مفاوضات غير مباشرة جديدة في قطر مع حركة حماس. ويستهدف المخطط إقامة مدينة واسعة بين محوري فيلادلفيا وموراغ جنوبي القطاع.
سوف تضم المدينة الجديدة، التي أطلقت عليها حكومة العدو الإسرائيلي "مدينة إنسانية"، بنية تحتية أساسية من خيام ومبانٍ دائمة، على أن تُخصص لتجميع أكبر عدد ممكن من سكان غزة، وستكون مركز تقديم المساعدات الإنسانية التي ستدخل لاحقاً إلى القطاع وفق المخطط الصهيوني.
وهذا المشروع يعكس في فحواه ما وصلت إليه جريمة الإبادة الجماعية في غزة من خلال خنق سكان القطاع وممارسة كل أشكال الجريمة بحقهم باتجاه دفعهم نحو التهجير كهدف حقيقي لهذا المشروع الاجرامي.
وانطلاقًا من هذا الواقع الإجرامي الذي تشرف عليه وتموله الولايات المتحدة، تتوفر، في المقابل، نزعة ترامب بالفوز بجائزة نوبل للسلام؛ بل كثيرا ما اشتكى الأخير من تجاهل الجهود التي بذلها في حلّ النزاعات بين الهند وباكستان، وكذلك أيضا بين صربيا وكوسوفو.
كما يدّعي ترامب الفضل في "حفظ السلام" بين مصر وإثيوبيا، وكذلك في رعاية الاتفاقيات الإبراهيمية الرامية لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والعديد من الدول العربية.
كما خاض ترامب حملته الانتخابية كـ "صانع سلام"، يستخدم مهاراته التفاوضية لإنهاء الحروب ولا سيما في أوكرانيا وقطاع غزة، لكنّ هذين النزاعين لا يزالان مستعرين رغم مرور أكثر من 5 أشهر على عودته إلى البيت الأبيض. كما أن كل ما يدعيه لا تمنحه حق الفوز بالجائزة؛ وهو صانع للحرب والعدوان على إيران وقبلها تمويل وضمان استمرار جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
كما يرى محللون أن طريق ترامب نحو الجائزة لا يزال مليئًا بالتحديات بسبب استمرار النزاعات الإقليمية وتصريحاته المثيرة للجدل حول ملفات حساسة مثل إيران والحرب في أوكرانيا وقبل ذلك موقفه من جريمة الإبادة الجماعية في غزة وتهجير سكان القطاع.
وبين مؤيد ومعارض لترشيح ترامب، فتح الجدل نقاشا واسعا حول معايير جائزة نوبل ودور السياسة في منح الجوائز العالمية، وفق مراقبين.
وتعد جائزة نوبل للسلام أرفع جائزة تُمنح لفرد أو منظمة تُعد الأكثر إسهاما في "تعزيز أواصر الإخاء بين الأمم".
وفي حال فاز بها ترامب، سيصبح ترامب خامس رئيس أمريكي يحصل على جائزة نوبل للسلام، بعد تيودور روزفلت وودرو ويلسون وجيمي كارتر وباراك أوباما. لكن فوزه بها في حال تم سيكون ترجمة حقيقية لواقع دولي لا ينتظم في مسار العدالة التي تنشد السلام للعالم.
أوصى رجل الصناعة السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت، في وصيته الشهيرة، بأن تُمنح الجائزة لمن "قام بأكثر أو أفضل ما يمكن تقديمه لتعزيز أواصر الإخاء بين الأمم، أو إلغاء الجيوش النظامية، أو إنشاء هيئات أو مؤتمرات تروج للسلام". جميع الأشخاص الأحياء أو المؤسسات النشطة مؤهلون للحصول عليها.
ويقول رئيس لجنة جائزة نوبل للسلام، يورغن واتن فريدنيس، في مقدمة على موقع نوبل: "عمليا يمكن لأي شخص أن يحصل على جائزة نوبل للسلام. ويُظهر تاريخ الجائزة بوضوح أنها تُمنح لأشخاص من جميع طبقات المجتمع ومن مختلف أنحاء العالم".
ورغم أن الإعلان عن الفائزين يتم في أكتوبر من كل عام، إلا أن مهلة الترشيحات تُغلق في نهاية يناير، ما يعني أن رسالة نتانياهو وصلت متأخرة ولن تُنظر ضمن ترشيحات هذا العام.
وطبقا لتقرير"فرانس 24" ؛ يستطيع الآلاف من الأشخاص حول العالم اقتراح مرشحين للجائزة، من بينهم أعضاء الحكومات والبرلمانات ورؤساء الدول الحاليين، إضافة إلى أساتذة جامعيين في التاريخ والعلوم الاجتماعية والقانون والفلسفة، والفائزين السابقين بجائزة نوبل للسلام. لكن لا يمكن لأي شخص أن يرشّح نفسه. علماً أن قوائم الترشيحات تبقى سرية لمدة خمسين عاما.
تطلع ترامب للفوز بالجائزة ووجود من دفع باسمه لا يؤكد مدى التملق فقط بقدر ما يعكس هزلية القرار الدولي الذي يسند مسائل تتعلق بقيم الإنسان النبيلة؛ كالنزوع للسلام والفوز بجائزته.
سبأ
