الحديدة لن تكونَ ساحةَ لعب
مبارك حزام العسالي*
دروسُ التحالفات السابقة يجب أن تُستوعَبَ جيِّدًا.
إلى كُـلّ من يتحدث، أَو يخطط، أَو ينوون القيام بأي فعل عسكري تجاه محافظة الحديدة، وإلى من يروجون لسيناريوهات "التحرير" الزائفة.
رسالتنا واضحة وصارمة: أي مساعٍ للسيطرة على الحديدة يدرك الشعب اليمني أنها ليست في مصلحة اليمن ولا تخدم سوى أجنداتكم الخَاصَّة؛ إنها محاولة مكشوفة لقطع شريان حيوي للشعب اليمني بأكمله، وتقويض صموده ومواقفه المبدئية، وعلى رأسها إسناد غزة.
عليكم أن تدركوا جيِّدًا أن الحديدة ليست مُجَـرّد هدف عسكري يمكن تحقيقه بسهولة؛ إنها تمثل نقطة محورية في استقرار اليمن الاقتصادي والإنساني؛ أي محاولة للسيطرة عليها بالقوة هي بمثابة إعلان حرب شاملة على الشعب اليمني، وستؤدي إلى كارثة إنسانية لا تحمد عقباها، وستحملون أنتم مسؤوليتها كاملة أمام العالم.
الأهم من ذلك، أن الحديدة أصبحت، بحكم موقعها وأهميتها، جزءًا لا يتجزأ من قدرة اليمن على إسناد غزة؛ استهدافها هو استهداف مباشر لكل مواطن يمني، ولموقف اليمن الثابت وغير القابل للمساومة تجاه القضية الفلسطينية.
من يظن أن ضرب الحديدة سيُجبر اليمن على التخلي عن هذا الموقف، فهو واهم ومخطئ في تقديراته.
دعونا نذكّركم بوضوح: التاريخ القريب جِـدًّا يحمل دروسًا قاسية حول عواقب مغامراتكم في اليمن؛ التحالفات السابقة التي راهنت على القوة العسكرية المفرطة فشلت فشلًا ذريعًا؛ لقد استنزفتم مواردكم، وخسرتم الكثير من عتادكم وقواتكم، وتحملتم أعباء سياسية واقتصادية هائلة، دون تحقيق أيٍّ من أهدافكم المعلَنة. لقد خرجتم من تلك التجربة بأيدٍ خاوية، بينما خرج اليمنُ أقوى وأكثر صلابة.
هل نسيتم تكلفة تلك المغامرات؟
هل تعتقدون أن تكرارَ نفس الأخطاء بنفس العقلية سيؤدِّي إلى نتائجَ مختلفة هذه المرة؟
إن مَن لا يتعلَّمُ من التاريخ محكومٌ عليه بتكراره، ولكن هذه المرة سيكونُ الثمنُ أفدحَ بكثير.
عليكم أن تستوعبوا هذه الحقيقة جيِّدًا.. اليمنُ اليومَ ليس كاليمن بالأمس.. لقد تطوَّرت قدراته الدفاعية والهجومية بشكل كبير وغير مسبوق، والاعتقاد بأن سماء اليمن لا تزال "ساحة لعب" سهلة لطائراتكم، أَو أن بحره سيكون "طريقًا ممهدًا" لسفنكم التي تدعم الكيان المجرم، هو وَهْمٌ قاتل.
سماء اليمن أصبحت مصيدةً لمن يحاولُ العبثَ بها، وستُسقَط طائراتكم؛ وبحرُه تحوّل إلى مقبرة بحرية وقد شاهد العالَمُ السفينتين اللتين أغرقتها القواتُ المسلحة اليمنية الأسبوعَ الماضي، وكذلك ما حدث للبوارج والقطع العسكرية الأمريكية قبلها، بحرُنا سيصبح متحفًا لحطام سفنكم إن تجرأت على الاقتراب.
إن أي طرف، ومهما كانت قوته العسكرية أَو دعمه الخارجي، يظن أنه يستطيع العبث بأمن اليمن أَو محاولة فرض إرادته عليه، فليتأكّـد أن الثمن سيكون باهظًا جِـدًّا وغير متوقع؛ وأن التورُّطَ المباشِرَ مع "الكيان" الصهيوني أَو وكلائه في المنطقة، تحت أية ذريعة، لن يكونَ مُجَـرّدَ مغامَرةٍ عسكرية محدودة، بل سيكون بداية لمواجهة إقليمية أوسع لا تُحمد عقباها، وستُقلب الموازين في المنطقة بأسرها.
إن اليمنَ يوجِّهُ لكم تحذيرًا لا لَبْسَ فيه: لا تختبروا صبرَنا، ولا تكرّروا أخطاءَ الماضي الكارثية؛ فالمواجهة المفتوحةُ ستكونُ عواقبُها وخيمةً على الجميع، ولن تُحقَّقَ أهدافُكم أبدًا؛ التداعيات لن تقتصر على اليمن، بل ستمتدُّ لتشمل المنطقة برمتها، وربما تتجاوزها لتؤثر على المصالح الدولية وليفهم المجتمعُ الدولي ذلك.
موقف اليمن في إسناد غزة هو موقفٌ مبدئي لا تراجُعَ عنه، ومَن يسعَ لكسر هذا الموقف أَو من يقفْ وراءه، سيُكسَرْ على صخرة الصمود اليمني، وسيدفعْ ثمنًا باهظًا لتعدِّيه.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت