أمريكا .. ودروب الغفلة !!؟
أحمد يحيى الديلمي
مع بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرون لابد أن نمعن النظر في الواقع العربي والإسلامي لنقرأ التحولات المريبة بوعي ومسئولية ، ونعرف ما طرأ عليها من تحولات أهمها أن هناك قوى عملت على استنفاد الدولة الوطنية بأفقها النمطي وبُعدها الفكري المجسد للهوية الواحدة ، وحولت الملاحم والبطولات الأسطورية إلى هزائم متلاحقة وخيانات هدامة كشفت بجلاء عن البراعة الشيطانية التي قادت إلى وضع استراتيجية طويلة الأمد من قبل مخابرات لندن وواشنطن ، وأخذت منحاً تصاعدياً خطيراً للغاية بما اشتملت عليه من اشتراطات مهينة تم تغليفها بنقاء كاذب ظاهره انتشال العرب والمسلمين من براثن التخلف والجهل ومدهم بمقومات الحداثة ممثلة في الحرية والديمقراطية والمساواة وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة ، وباطنه النوايا المبيتة والمسعى الحقيقي المتمثل في فرض دولة الكيان الصهيوني في المنطقة ، وهذا هو ما تتباهى به أمريكا اليوم كما جاء في تصريحات بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بما يوحي أن المهمة تمت بأفق بعيد المدى وأقتضت :
إعادة هيكلة نفسيات البشر ورسم خارطة المشاعر باتجاه إيقاف جموح نصرة الدين والأمة وإلجام عاطفة التفاعل بلجام الخوف .
استنساخ أنظمة سلطوية لفرضها على الشعوب بالقوة والترويج بأنها معيار للتنوع وإشاعة الحريات وحماية حقوق الإنسان كأهم القيم التي يتطلع إليها البشر .
تحويل المفاهيم الموغلة في القدم إلى أصنام تقتضي التسليم إلى حد العبادة ، هذه الوسيلة تعززت ببروز ظاهرة إسلام البترودولار ، فهذه الظاهرة التي مهدت لبروز جماعات الأنغلاق والتطرف والإرهاب ومكنت الآخر المتربص أن يستخدمها أداة لهدم الإسلام من داخله والإمعان في تشويه صورة العقيدة والانتقاص من المنهج القويم .
السعي إلى تأزيم العلاقة بين رجال الدين والمثقفين كأخطر الاختلالات التي عمقت الفجوة بين الطرفين وقادت إلى منزلق مريع بما ترتب عليه من تحالفات مشبوهة وقذرات فكرية تحولت إلى متارس في النفوس تبنت ضرب المجتمعات وإحداث شروخ معنوية في النفوس .
كما حتمت الاقتباس المائع من تجارب الآخرين البائسة المغرقة في التوحش ، وهو ما فاقم الأزمات ورسم خطوط متعرجة جعلت الاحتقانات خيار وحيد بعد أن تكبل المشهد السياسي بسلاسل المذهب والطائفة والديانة ، وجعل الواقع مفتوح على كل الاحتمالات .
العلاقة غير المتوازنة بين المثقف ورجل الدين جعلت كل طرف يتمترس خلف مفاهيم تقلصت مفرداتها وتغيرت دلالاتها للإخلاص في خدمة سلطات الحكم وفرض قوة الحضور وإن اقتضى الأمر تسويق الظلال وتزييف الحقائق الناصعة ، هذا هو الواقع الذي جعل الطبقات السياسية تتأرجح في مواقفها ، لا تفصح عن حقيقة ما تؤمن به ، تُداهن سلطات الحكم تارة وأخرى تُداهن المجتمع وتدعي أنها تُعبر عن همومه .
في ظل الأوضاع الشائكة والمعقدة يبرز سؤال هام وهو هل نجح الآخرين في مساعيهم؟! للإجابة أقول : نعم .. فلقد بات من السهل حرف بوصلة الاهتمامات وخلق أعداء وهميين لصرف الأنظار عن العدو التأريخي للأمة ، كل شيء في الواقع يؤكد أن التآمر أخترق النفوس وعمق الجروح ، وفرض التناقض الصارخ الذي تجاوز نقطة الخطورة ليغدو سبب الانتكاسات والهزائم الماحقة .
لن أمعن في جلد الذات لكني أقول أن الواقع مريب والسير في دروب الغفلة على هذه الشاكلة سيجعله أكثر ريبة وخطورة ، وعلينا أن نتنبه وأن نستفيد من هذه التجارب في وضع أسس المستقبل على أساس سليم .. والله من ور