محمد حسنين هيكل والنبوءة التي تتحقق في اليمن
منير البشير الساعدي*
” إن السعودية ستحارب اليمن وستغرق السعودية في اليمن وينتصر اليمن وإن لم يحصل هذا اخرجوا جثتي من القبر واحرقوها واحرقوا مؤلفاتي..”
كتب محمد حسنين هيكل قبل وفاته في واحدة من آخر مقابلاته الصحفية، تنبأ أشهر الصحفيين العرب، محمد حسنين هيكل بـ”غرق السعودية في المستنقع اليمني”.
ومع أن كثيرين غيره كانت لهم وجهات نظر مشابهة، إلا أن “نبوءة” هيكل اكتسبت أهمية مضاعفة لسببين:
الأول: أنه من أشهر وأهم الصحفيين الذين عرفهم العرب في القرن العشرين، إن لم يكن أهمهم وأشهرهم على الإطلاق.
والثاني: أنه كان مقربا من دوائر صنع القرار في مصر الناصرية، عندما غرق الجيش المصري في أوحال الحرب اليمنية، وخرج منها منهكا، ما زاد في فرص هزيمته عند أول مواجهة له مع الإسرائيليين في حرب الخامس من حزيران عام 1967.
انقضت خمسة أعوام ونصف العام منذ أن دشن التحالف العربي حربه على اليمن ( الدولة العربية ), ولا تزال الحرب، التي قيل بعد عدة أسابيع على اندلاعها أنها حققت أهدافها لتحمل اسم “استعادة الأمل” بدلا عن “عاصفة الحزم”، بعيدة عن أن تضع أوزارها.
لا “الحزم” أفضى إلى الحسم، ولا الأمل استعيد على ما يبدو، بعد أن تعاظمت الكلفة الإنسانية للحرب واتسعت ساحاتها وأخذت تطاول العمق السعودي (والإماراتي باستهداف مطاري دبي وأبو ظبي بطائرات مسيرة)، فضلا عن المعارك الدائرة على الأرض السعودية في المحافظات المجاورة (جيزان، نجران وعسير).
دعمت الولايات المتحدة، وفي سياق حالة التصعيد ضد إيران وحلفائها، موقف التحالف، فصرح وزيرا خارجيتها ودفاعها، مايك بومبيو والجنرال ماتيس، بأنه يدعم هذا الهجوم السعودي على اليمن الذي أصبح حزينا، كما تكشف تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية الصور المريرة لأسوأ كارثة إنسانية عرفتها الإنسانية في عصرنا الراهن, وبدى من مداولات مجلس الأمن، أن المجتمع الدولي أخذ يضيق ذرعا بهذه “المأساة المنسية”.
وتعاظمت الضغوط على قيادات آل سعود لوقف الحرب في اليمن، وارتفعت الأصوات في دول الغرب الصناعية المطالبة بوقف تزويد السعودية والإمارات بالأسلحة التي يجري استخدامها في الحرب على اليمنيين.
وحملت تقارير أممية قوات التحالف المسؤولية عن مقتل غالبية المدنيين اليمنيين جراء عاصفة الظلم والطغيان التي أطلقتها السعودية على اليمن , ما بدا أنه ضغط دولي غير مسبوق، تتعرض له قوى التحالف لوقف الحرب، حتى وإن لم يتسن لها تحقيق أهدافها.
ثم جاء الرد بإطلاق التحالف العروبي عملية إعادة الأمل, التي سببت لليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 24 مليون شخص – حوالي 80 في المئة من السكان – لمساعدة إنسانية، بمن فيهم أكثر من 12 مليون طفل. ومنذ تصاعد النزاع في آذار / مارس 2015، أصبح البلد جحيماً لا يطاق للأطفال.
بالإضافة لانتشار كوفيد-19 الآن في جميع أنحاء اليمن، يواجه اليمن حالة طوارئ جديدة تضاف إلى حالة طوارئ قائمة, وهناك نقص شديد في المرافق الصحية والمياه النظيفة, إذ لا تعمل سوى نصف المرافق الصحية، وتفتقر العديد من المرافق التي لا تزال تعمل إلى المعدات الأساسية مثل الأقنعة والقفازات، ناهيك عن الأكسجين والإمدادات الأساسية الأخرى لمعالجة كوفيد-19.
كما أنه لا يزال الأطفال يُقتلون ويُشوهون في هذا الهجوم الغير مبرر على اليمن.
إن الدمار هو السبب في الإغلاقات التي لحقت بالمدارس والمستشفيات و تعطيل وصول أطفال اليمن إلى مدارسهم و مستشفياتهم المدمرة من قبل التحالف السعودي الاماراتي، حيث أن هذا يزيد في هشاشة الأطفال ويسلبهم مستقبلهم. قبل كوفيد-19، كان هناك نحو مليونا طفل خارج المدرسة.
لكن اليوم، وبسبب الجائحة، تم إغلاق المدارس في جميع أنحاء البلاد، فبات نحو 7.8 مليون طفل عاجزين عن الوصول إلى التعليم, مع تفشي الفيروس التاجي، يحتمل أن يُصاب عشرات الآلاف من الأطفال بسوء التغذية الحاد الوخيم الذي يهدد الحياة على مدى ستة الأشهر المقبلة، كما أن العدد الإجمالي للأطفال دون الخامسة الذين يقاسون سوء التغذية يحتمل أن يرتفع إلى 2.4 مليون طفل بالمجمل.
كما أنه ثمة هناك تطورات يمنية ودولية، تزيد في حرج قيادة التحالف السعودي وحربه المفتوحة في اليمن، لعل أهمها اثنان:
الأول؛ أن الحرب الاقتصادية التي شنها التحالف على اليمن، بعد نقل البنك المركزي لعدن من صنعاء وضخ كميات هائلة من العملة المحلية في الأسواق وقطع الرواتب عن الموظفين العمومين في الشمال لم تترك تأثيرات سلبية على اليمنيين فحسب، فقد اندلعت التظاهرات والاحتجاجات جميع المحافظات الجنوبية، وعلى نطاق أعنف وأوسع مما حدث في الشمال، مما يهدد بتقويض سلطة هادي ويفقدها ما تبقى من شعبيتها في المحافظات “المحررة على حد زعمهم “.
والثاني؛ تنامي حملة الانتقادات الدولية للزعيم السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان، وتحديدا في عواصم الغرب، إذ لم تبق واحدة من كبريات الصحف ووسائل الإعلام الغربية، إلا وأفردت مقالا أو تحقيقا عن “فشل الأمير”، “ذي الخبرة المحدودة”، والموصوف في تلك الصحف بـ”التهور والمغامرة”، بل وعن قرب نهايته أو “أيامه المعدودات”، كما قالت صحيفة التايمز مؤخرا.
وقد رصد ناشطون أكثر من أربعين مقالا وتحقيقا نشرت جميعها خلال الأشهر القليلة الفائتة، وفي وسائل إعلام غربية رائدة، وتناولت جميعها هذه الجوانب المنسجمة مع السياسة الصهيونية في المنطقة العربية في شخصية الأمير السعودي. الأمر الذي يثير تساؤل عن انقلاب بن سلمان على ولي العهد السعودي السابق.
هذا الأمير الذي دفع بالسعودية بأن تساهم في صفقة القرن اليهوأمريكية -السعودية ، التي جعلت أمريكا تعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
كما أن جهوده الآن التي جعلت من المجتمع الدولي الغربي يغض البصر عن كارثة اليمن الحزين هي استعداد آل سعود للتطبيع مع الكيان الصهيوني ، و الذي نشرته وكالات أنباء عالمية بأن ” نتنياهوا قابل بن سلمان أثناء زيارة وزير خارجية أميركا لأرض الحرمين الشريفين ” .
مع كل الذي ذكرناه عن ما تعانيه اليمن من أزمات كان تحالف السعودية و الامارات سببها, فإن هناك بوادر لانتصار اليمن في هذه الحرب التي فرضت عليه, فقد تحول الجيش اليمني من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم و بدأ يستعيد أراضيه المحتلة من التحالف الاماراتي-السعودي – الصهيوأمريكي ، واحدة تلو الأخرى, و ها هي بوادر نبوءة الصحفي العربي الكبير محمد حسنين هيكل بدأت ترسم ملامح النصر الكبير لليمن الحزين بعد سيطرة القوات المسلحة اليمنية على معسكر ماس القريب من مأرب.
ها أنا أستذكر معكم مقولة محمد حسنين هيكل بين الحين والآخر, فالحرب هناك أبعد ما تكون عن أن تضع أوزارها إلا بانتصار اليمن الذي سيعود سعيداً، و ستبقى فلسطين شامخة، أبية، عربية عاصمتها القدس .
و أخيرا أستذكر معكم إخوتي القراء، هل بعد كل هذا لازالت تنطبق مقولة و صفة الشيخ و العلامة الليبي المدني الشويرف الذي أول من أطلقها على الملك فهد بن عبدالعزيز صفة ” خادم الحرمين الشريفين ” على سلمان و ابنه… !!!!!؟؟
* كاتب ليبي
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع