دجاجة حسين وجنود “إجر ونص”
إنه أمرٌ مفهومٌ أن تحصل حادثة الدجاجة في الوقت الذي يعيش كيان العدو برمّته هاجس الصواريخ الدقيقة.
شارل أبي نادر *
قصّة أو حادثة دجاجة حسين ابن بلدة ميس الجبل الجنوبية اللبنانية، قد تكون قصَّة عادية لو حصلت في منطقة أخرى بعيدة عن الحدود مع فلسطين المحتلة، وقد تكون روتينية لو حصلت في زمنٍ مختلفٍ، وليس في أيامنا هذه، ولكن يبقى للمكان رمزيّته، وللتوقيت دلالاته، ولمضمون الحدث معناه، حيث يحمل الكثير من الأبعاد.
فأن يطلق جنود العدو النار في الهواء خوفاً فوق رأس فتى لم يتجاوز التاسعة من عمره، كردّ فعل إثر اقترابه من الشريط الشائك، محاولاً اللحاق بدجاجته التي هربت من القنّ، هو شيءٌ يدعو إلى التعجّب والاستغراب مما وصل بهم الأمر، وهم أفراد الوحدات العسكرية الأكثر تجهيزاً وتدريباً، والتابعة لـ”الجيش الذي لا يُقهر”، كما لطالما ادّعت وتبجّحت.
إنّ الحدث بحد ذاته يؤشر إلى مستوى التوتر المرتفع الذي يعيشه جنود الاحتلال على الحدود مع لبنان، فعندما يكون هؤلاء الجنود، ومنذ أكثر من 4 أشهر، يقفون على “إجر ونص” بانتظار رد حزب الله، فهو إجراء منتظر أن يطلقوا النار رعباً وخوفاً بمواجهة دجاجة وفتى يلحق بها، في الوقت الذي يفترض بهم، وكإجراء طبيعي يقوم به أغلب الجنود المكلّفين عادة بمهمة حراسة، عدم إطلاق النار بتاتاً قبل الوقوف على حيثيات الحادثة ووقائعها، وما لم يستدعِ الأمر ذلك، وخصوصاً أنّ أيّ إطلاق نار على الحدود مع فلسطين المحتلّة في هذه الفترة سوف يدفع أغلب الوحدات المنتشرة على جانبيها، في لبنان وفي فلسطين، إلى أن تستنفر وتتخذ التدابير المتشدّدة، استناداً إلى تعليمات التنسيق المتعارفة بين الجيوش.
في الواقع، إنه أمرٌ مفهومٌ أن تحصل حادثة “الدجاجة” في الوقت الذي يعيش كيان العدو برمّته هاجس صواريخ حزب الله الدقيقة، والتي، بشهادة ضباطه الأكثر خبرة، لن يقلّ عدد ما سيسقط منها على أغلب الأهداف العسكرية والحيوية الإسرائيلية عند أية مواجهة واسعة منتظرة عن 4 آلاف في اليوم.
كما يبقى مقبولاً ويتفهَّمه المتابعون أن يطلق هؤلاء الجنود المذعورون النار في الهواء خوفاً من دجاجة حسين، في الوقت الذي يعيش العدو كابوس طائرات حزب الله المسيرة، التي لم يمر أسبوع على رحلة إحداها “الآمنة والناجحة”، والتي صوّرت بطريقة دقيقة ومحترفة أكثر من موقع وثكنة للاحتلال في الجليل المحتل، وصور تلك الرحلة “السياحية” نُشرت في أغلب وسائل الإعلام، إذ ربما اعتبروها طائرة مسيرة تتحضَّر للإقلاع فوق الشريط الشائك، بهدف الانقضاض على آلية متنقلة أو على موقع عسكري في إحدى الثكنات الحدودية في الجليل.
أما بالنسبة إلى حسين صاحب الدجاجة، فقد يكون تصرفه بالجري بسرعة وراء الدجاجة الهاربة عادياً، حيث يحصل ذلك مع أي فتى بحالة مماثلة، ولكن ما لم يكن ينتظره أنه خلق من تصرفه “الروتيني بالنسبة إليه” حالةً استثنائيةً، إذ استسخفّ أو اختزل، من خلال اندفاعه وراء الدجاجة نحو الشريط الحدودي، جميع إجراءات العدو العسكرية والميدانية المشددة، ساخراً بتصرفه هذا – من حيث لم يقصد – من كل تدابير الحيطة والاستنفار التي ينفذها العدو على الحدود، وبالتحديد على الشريط الشائك الفاصل.
طبعاً، إنه أمر له دلالاته وأبعاده العميقة، فالموضوع بالنسبة إلى حسين ليس بتاتاً دجاجة بالناقص أو بالزائد، فأهله قادرون طبعاً على أن يؤمّنوا له العشرات بدلاً منها، من دون أن يعرّض نفسه لأي خطر محتمل، جرّاء اقترابه بسرعة من الشريط الفاصل عن جنود العدو، وهم الذين يعيشون حالة الاستنفار القصوى ويقفون على “أجر ونص” منذ أشهر.
كما أن حسين بهرولته نحو الشريط الشائك لم ينتظر أن يأخذ إذناً من والديه، لأنه يعرف جيداً أن تربيتهم وتنشئتهم له لم تقم يوماً إلا على حفظ الحق وحمايته، مهما كانت الأخطار كبيرة، وخصوصاً إذا كانت متأتية من عدو جبان يرتعد على الحدود، ولطالما تحدّوه وواجهوه وانتصروا عليه، أو إذا كانت هذه الأخطار المحتملة متأتية من عدو خائف، نسي نفسه وهو يقف على “أجر ونص” منتظراً رد حزب الله، إما من الجو عبر إحدى طائراته المسيّرة، وإما من البرّ، بصاروخ أو رصاصة من رشاش أو قناصة تنطلق من أحد الأودية أو الهضاب المقابلة له، أو من تحت الأرض، من نفقٍ لم ينتظروه، بعد أن فشلوا في تدميره عندما قاموا بحملتهم “التاريخية” لتدمير أنفاق حزب الله على الحدود.
في النهاية، إن دجاجة حسين عبرة، وهو الذي اختصر الصراع التاريخي مع العدو بعبارة بريئة: “بدي دجاجتي”، إذ برهن للعالم أجمع أن هذا الصراع التاريخي مع العدو هو بكل بساطة صراع مرتبط بحفظ وحماية وصيانة الحق الذي لن يقبل أحدٌ بأن يُسلب أو يُسرق.
اليوم، يمثّل حسين ابن ميس الجبل الحدودية الآلاف من أبناء وطنه؛ أبناء تلك الأرض المقدّسة، هؤلاء الّذين نشأوا على شرف ومسؤولية حماية الحقّ والأرض والسّيادة والمقدّسات. وغداً، سيكبر حسين ابن التاسعة من عمره ويشيخ على تلك الحدود، وشعاره حفظ السّيادة والحقوق، وإيمانه بأنَّها لا يجب أن تضيع، مهما كان الخطر كبيراً، ومهما كان العدو مستنفراً وقادراً ومتمكّناً.
وهنا يكمن السرّ الّذي كان يقف وراء انتصار المقاومة اللبنانيّة (حزب الله) على العدوّ الإسرائيليّ. إنه مفتاح الثبات والمواجهة… إنه حكاية المقاومة والصّمود فالانتصار.
* المصدر : الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع