السياسية : إجلال العمراني

الأطفال نعمة من الله تعالى للوالدين، تقع على عاتقهم مسؤولية تربيتهم وتعليمهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية والثانوية، ليعيشوا في أجواء مثالية، تساعدهم على النمو المتوازن، روحياً وتربوياً وعلمياً وعملياً، والمتوافقة مع الذات النازعة إلى الخيرية، والتكيف مع المجتمع، وتنمية ملكة الإبداع والابتكار عندهم، بما يخدم المجتمع ويعمل على تطويره والارتقاء به، وهو ما نصت عليه التشريعات السماوية والقوانين الدولية لحقوق الطفل.

والملاحظ في اليمن، تسبب العدوان السعودي الإماراتي الظالم في حرمان أطفالنا من أبسط حقوقهم التي كفلتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، والتسبب في تسربهم من التعليم، ليهيموا على وجوههم بحثاً عما يسد رمقهم ورمق ذويهم، بعد أن قضت ترسانة العدوان على مصدر دخل ذويهم، ليحملوا هم الكبار وهم لا زالوا في مقتبل العمر، بما لذلك من تبعات نفسية ومعنوية كارثية عليهم.

ومن يتجول في شوارع المدن والقرى اليمنية يجد عدد كبير من الأطفال المشردين بملابس رثهٍ ووجوهٍ عابسةٍ، لا يجدون قوتهم الأساسي، بساطهم الأرض، ولحافهم السماء، بعد أن دمر العدوان الغاشم بيوتهم وقتل أحبتهم، أو قضى على مصدر أرزاقهم، وازداد عدد الأطفال خارج اسوار المدارس، وبدلاً من تحصيل علوم تنفعهم وتطور مداركهم نجدهم يحملون علب القوارير الفارغة ويشتغلون في ورش السيارات ومختلف المهن اليدوية التي لا تتناسب مع أعمارهم، وفي الشوارع يتسول الكثير منهم من اجل توفير قيمة خبز يسد رمق جوعهم وجوع أسرهم.

وكان للعدوان تأثيره البالغ على الأطفال فمنهم من فقد عائلته ووجد نفسه في الشارع، دون أن يجد من يهتم به ويرعاه، ومنهم من نزح نتيجة القصف والغارات وانتقل إلى محافظة أخرى ليعيل أسرته التي فقدت عائلها الوحيد، وارتفعت معدلات الفقر بحسب مدير مؤسسة سياج للطفولة باليمن “أحمد القرشي” إلى أكثر من 300 % خلال الفترات الأخيرة، مقارنة بسنوات ما قبل العدوان، ونتيجة لانقطاع المرتبات وتسريح العديد من الموظفين في القطاع الخاص، واتساع رقعة البطالة، زادت المشاكل الأسرية وارتفعت نسبة العنف ضد الأطفال، وهو ما تسبب في تصدع وتفكك الأسر، وتشتت الأبناء، وفقدان الاهتمام بهم، ولم يكن أمامهم في خاتمة المطاف سوى الهروب إلى الشوارع، لتكون ملجأهم وملاذهم الأخير مما يعانونه.

وأطفال الشوارع ينقسمون الى أربع فئات بحسب تعريف “اليونيسيف” في فبراير 1993:

1 – الأطفال الذين يعيشون في الشارع وهو مصدر البقاء والمأوى بالنسبة لهم.

2 – الأطفال الهاربون من أسرهم ويعيشون في جماعات مؤقتة أو منازل أو مباني مهجورة أو ينتقلون من مكان إلى آخر.

3 – الأطفال الذين لا يزالون على علاقة مع أسرهم ولكن يقضون أغلب اليوم وبعض الليالي في الشارع بسبب الفقر أو تزاحم مكان المعيشة مع الأسرة أو تعرضهم للاستغلال البدني والجنسي داخل الأسرة.

4 – الأطفال في مؤسسات الرعاية القادمون إليها من حالة التشرد وهم مهددون في نفس الوقت بالعودة إلى حالة التشرد مرة أخرى.

أطفال الشوارع، أو أطفال الكرتون أو الأطفال المتسكعون، مع اختلاف تسمياتهم، لا يفقدون طفولتهم فقط، وانما يمثلون قنبلة موقوتة تشكل خطورة على الطفولة والمجتمع على حدٍ سواء، فالطفل الذي يعيش في أحضان الشارع ولا يلقى أبسط حقوقه من الرعاية والاهتمام والتعليم، ..، سيكون عُرضةً للاستغلال الجسدي والجنسي من تجار الأعضاء والتهريب والتحرش، بما لذلك من تداعيات كارثية على حاضره ومستقبل وحاضر المجتمع ومستقبله، كما أنهم يكتسبون ثقافات وأخلاقيات تتنافى مع ثقافتنا وأخلاقنا.

مجتمعياً، يشكل أطفال الشوارع ظاهرة خطيرة، باتت للأسف تؤرق المجتمع اليمني، بالتوازي مع تفاقم إشكالية التسرب من التعليم، وهو ما يعني خلق طبقة مجتمعية تعاني من عقدة الحقد والدونية والتهميش، وطغيان روح الأنا النازعة إلى  الانتقام والثأر، وتزايد معدلات جرائم السطو والسرقة .. ألخ.

وللأسف الشديد لم تلق ظاهرة أطفال الشوارع اهتماماً، نظراً لشحة الدراسات والأبحاث، وعدم وجود قاعدة بيانات أو إحصائيات رسمية حول حجم هذه الظاهرة المتنامية، نتيجة للعدوان الغاشم على بلادنا والاثار السلبية المترتبة عليه.

ورغم مصادقة اليمن على الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، إلا إن دورها لا يزال ضئيل جداً، ولا تزال عاجزة عن وضع آلية أو إحصائية لعدد أطفال الشوارع أو تدابير وقائية للحد من هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة، أو إعداد موازنات مالية لاحتياجات أطفال الشوارع لتحسين أوضاعهم، وإعداد برامج تأهيلية خاصة بهم، ناهيك عن الظروف التي تمر بها البلاد من عدوان، وما ترتب عليه من انقطاع المرتبات وتدني مستوى الفقر.

كل هذه المعطيات توحي بمستقبل معتم ومخيف للأطفال وللبلد.