السياسية – تقرير: نجيب هبة

رغم الحراك الدبلوماسي المكثف اقليمياً ودولياً بهدف التوصل إلى تسوية ووقف العدوان على اليمن، إلا أن جرائمه على بلادنا مستمرة ومنها العدوان الاقتصادي التي تهدف أنظمة دول العدوان وعلى رأسها نظامي الرياض وأبوظبي من خلالها إلى الاستيلاء على ثروات اليمن المتنوعة والإمعان في تجويع وإفقار شعب العزة والكرامة اليمني.

ففي هذا السياق أكد مصرفي يمني، استمرار رحيل رؤوس الأموال من اليمن مع دخول العدوان عامه السابع وسط تفاقم للوضع الإنساني.

وقال المصرفي علي التويتي في تغريدة على صفحته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي إن “الأموال التي تم تهريبها من اليمن منذ بدء الحرب وحتى اليوم تصل إلى 30 مليار دولار”.. مشيرا إلى أن “مصر تحتل المرتبة الأولى من حيث استقطاب الأموال المهربة من اليمن بعد شراء نحو 100 ألف شقة تليها تركيا والأردن وجيبوتي وماليزيا”.

وأشار التويتي إلى أن “الخطر أصبح أكبر مع بدء المغتربين اليمنيين في الخارج نقل أسرهم إلى تلك الدول ما يعني إعادة توجيه الحوالات اليمنية، التي كانت تعد مصدر مهم لرفد الاقتصاد اليمني بالعملة الأجنبية إلى تلك الدول”.

تهريب منظم للأموال

وقد تسبب العدوان الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد الوطني وتدمير العملة وتضييق معيشة اليمنيين، في خلق ثقب واسع تسربت منه رؤوس أموال ضخمة ومليارات الدولارات إلى خارج البلاد.

وفي هذا الإطار، أشار موقع “العربي الجديد” إلى أن “عمليات هروب رؤوس أموال من جميع المحافظات لمسؤولين سابقين وحاليين وتجار ورجال أعمال تم الفرار بها إلى الخارج ليعملوا على غسلها عبر استثمارات في دول عديدة، مثل الإمارات والسعودية ومصر والأردن وتركيا”.

وتم تهريب أموال عبر شركات أعمال وشركات خاصة بتوظيف الأموال تعمل من دبي على سحب أموال طائلة من اليمن إلى خارج اليمن تم تحويل بعضها إلى دول أوروبية وتم تسييلها بواسطة شركات متعددة.

ونقل “العربي الجديد” عن ما وصفها بـ “مصادر رسمية” أن “حجم الأموال المهربة بلغ نحو 106 مليارات دولار، تم تهريب الكثير منها عبر بنوك إماراتية، خصوصا فيما يتعلق بثروات وأموال النظام السابق، إذ استقر أغلب رجال حكمه السابقين في أبوظبي ودبي”.

وتؤكد تلك المصادر أن “خروج المنظومة المصرفية والقانونية عن العمل في اليمن وتعطيلها تم بمساهمة مباشرة من الإمارات التي عملت على تسهيل بنوك عاملة فيها لفتح اعتمادات مستندية لشركات استيراد يمنية غير قانونية خصوصا في أول عامين من الحرب، ما ساهم في تعطيل منظومة العمل المالي الرسمية وسمح بتوسيع ثقب تهريب الأموال إلى خارج اليمن”.

نهب عوائد النفط والغاز

وأشارت مصادر دبلوماسية إلى “تهريب عوائد ما يتم تصديره أو تهريبه من النفط والغاز والمقدرة بنحو مليار و300 مليون دولار سنويا، إذ يتم إيداع هذا المبلغ في البنك الأهلي السعودي تحت إشراف وتصرف دولتي تحالف العدوان، وبالتالي خروج هذا النقد من الحلقة المحلية للنشاط الاقتصادي الداخلي وعدم وقوعها تحت الرقابة الحكومية اليمنية”.

ويعتبر هذا النقد من موارد وثروات اليمن يتم تصريفه بصورة غير واضحة، إذ تؤكد مصادر مطلعة ارتباطها مباشرة بالسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، الذي يدير الملف الاقتصادي في العدوان السعوإماراتي بما يعرف بـ”برنامج إعادة الإعمار والبناء في اليمن”.

هذا النقد، وفق خبراء ماليين واقتصاديين، يعد بمثابة عملة أجنبية مهربة إلى الخارج، والدليل في ذلك عدم ظهور هذه المبالغ في موازين الاقتصاد القومي وميزان المدفوعات، إضافة إلى المبالغ التي يتم الحصول عليها تحت مسميات مختلفة من قروض ومساعدات ومنح وغيرها والتي لا يتم أيضا ظهورها في الحركة الاقتصادية الداخلية.

وتوثق تقارير ومؤشرات يمنية ودولية حجم الأموال المتسربة إلى خارج اليمن بأكثر من الرقم المعلن رسميا وهو 106 مليارات دولار، إذ تحوي التقديرات الحجم الحقيقي للنهب الذي تعرض له الاقتصاد اليمني ويشمل الفترات السابقة، منذ ما قبل العدوان.

ويحمّل الباحث الاقتصادي، كمال الباشا، تحالف العدوان “مسؤولية توسع الثقب الذي نفذت منه الكتلة النقدية الضخمة إلى الخارج من ناحية أو خروجها عن المنظومة النقدية الرسمية في الداخل، في مقابل إغراق السوق اليمنية بعملاته من الريال السعودي والدرهم الإماراتي، خصوصاً في الثلاث سنوات الأولى من العدوان، تضمنت رواتب عشرات التشكيلات العسكرية التي أشرفت على تشكيلها، وكذلك ضخ أموال لشراء ولاءات وسحب العملة المحلية وتفريغ اليمن من النقد ليسهل التحكم به وتمرير مشاريعهم وأهدافهم المشبوهة”.

ويقول الباشا لـ “العربي الجديد”، إن “الدمار الهائل الذي تعرض له اليمن منذ سبع سنوات يتحمل مسؤوليته التحالف، إذ استهدفت طائراته وغاراته الجسور والمصانع ومحطات الكهرباء والمزارع والمنشآت المدنية الخدمية، وذلك بهدف النيل من قطاع الأعمال والاقتصاد اليمني من أجل خلق بيئة طاردة للأعمال والتجارة والاستثمار”.

كما تحدث الباشا، عن قيام تحالف العدوان بوضع يده على الموانئ والمنافذ الجوية والبحرية والمواقع الاقتصادية، إذ كوّن مليشيات خارج إطار الدولة، وقوّض سيطرة الحكومة على منابع إنتاج النفط ومرافئ التصدير ومختلف الإيرادات العامة التي تذهب إلى هذه المليشيات في مناطق يفترض سيطرة الحكومة عليها.

نهب 3 أضعاف الناتج المحلي

وتتحدث التقارير والخبراء عن “مبالغ منهوبة من اليمن توازي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي وعشرة أضعاف المديونية الحكومية في اليمن”، في حال افتراض كذلك القروض والمساعدات المقدمة لليمن والتي كانت تصل سنويا إلى 700 مليون دولار، يضاف إليها حجم الاحتياطيات النقدية الأجنبية في أحسن الظروف في اليمن كانت تصل إلى ما يقارب 9 مليارات دولار، إذ كانت هذه المبالغ المنهوبة بإمكانها أن تعمل على إيجاد نهضة اقتصادية شاملة في اليمن وتحرك التنمية الاقتصادية وتمتص جزءا كبيرا من الفقر والبطالة.

في السياق، ترجح بيانات تقديرية رسمية أن هناك 7 ملايين يمني يتوزعون على 50 دولة، تأتي على رأسها السعودية التي تستوعب ما يزيد عن مليوني مغترب يمني، ويعولون نصف سكان اليمن.

وشكلت تحويلات المغتربين عاملا رئيسيا في دعم استقرار العملة الوطنية المنهارة، بالنظر لوضعية الاقتصاد محدود الموارد، وذلك قبل تدهور هذه التحويلات وتراجعها بشكل كبير لعدة أسباب، أبرزها ما أفرزه انتشار فيروس كورونا من تبعات أثرت على مختلف الدول التي تستوعب العدد الأكبر من المغتربين اليمنيين.

وتصل استثمارات اليمنيين في الخارج إلى نحو 120 مليار دولار،  حسب مسؤولين في وزارة المغتربين، الذين أكدوا أنه “كان هناك خروج وهروب واسع لرؤوس أموال وطنية إلى الخارج بفعل العدوان على اليمن والذي خلق بيئة طاردة للأعمال والمستثمرين والتجار وغيرهم من ذوي الأملاك والمقتدرين”.

كثير من هذه الأموال، وفق تأكيدات رسمية، عبارة عن مدخرات كامنة في الداخل تجري في قنوات غير رسمية وغير متصلة بالمنظومة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التقليدية والرسمية وجدت طريقها بانسيابية مطلقة إلى الخارج.

ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء وعضو المرصد الاقتصادي اليمني، علي سيف كليب، أن “هناك أطرافا مستفيدة من الحرب – في إشارة إلى قادة العدوان ومرتزقتهم – رفضت تحييد الاقتصاد والعملة ومعيشة الناس عن الصراع الدائر، بل كانت مستفيدة في استخدامها كأوراق في الحرب للتكسب منها”.

وأضاف كليب أنه “مادامت هناك أطراف “تعتاش” منها وتحالف أهلك الحرث والنسل (في إشارة لتحالف العدوان) والذي ينفذ أجندة خاصة به، بحجة دعم “الشرعية”، فقد تطول الحرب”.. مؤكداً أن “ما يلاحظ على الواقع هو نهب وتفتيت متواصل للجغرافيا اليمنية، بينما ساء الوضع الاقتصادي في بلد أصبح مفرغا من كل ثرواته ومقدراته وما كان متوفراً من أموال واستثمارات وأعمال”.

ومع إطالة أمد العدوان وتوسع حجم الخسائر والأضرار الناجمة والتي تجاوزت قيمتها قدرات اليمن على التعافي لما بعد مشاريع إعادة الإعمار، أصبحت تكلفة انتشال البلاد من هذه الوضعية باهظة ومعقدة وتتطلب دعما وجهودا دولية سخية.

وتمثل أزمة المالية العامة الناتجة عن توسع العدوان الاقتصادي واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية في اليمن، وتأتي ضمن أخطر تداعياتها استمرار أزمة العملة الوطنية وموظفي الخدمة المدنية، وتعليق سداد الدين العام المحلي وتعرض القطاع المصرفي لأزمة سيولة خانقة.