السياسية:

 

هذه هي أهداف مؤتمرات التغير المناخي لإنقاذ الأرض من الانبعاثات والجفاف وموجات الطقس القاتلة

وهذه هي مجموعة التحديات التي تجعل الأهداف مستحيلة التحقيق على المدى القريب

نحن نفعل كل ما بوسعنا لكي نجعل أجزاء كثيرة من الكوكب غير قابلة للحياة الإنسانية.

هذا هو العنوان الذي يلخص ما فعله الإنسان بالكوكب.

نحن في طريقنا إلى زيادة حرارة الكرة الأرضية بمقدار درجتين عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية واكتشاف النفط والغاز.

لا يوجد “علاج موثوق” لإبقاء الارتفاع في درجات الحرارة العالمية تحت عتبة 1.5 درجة مئوية، هكذا قالت الأمم المتحدة قبل أيام من مؤتمر شرم الشيخ الأخير للمناخ.

ولا يوجد أمل قريب في الاستغناء عن أسباب الانبعاثات التي ترفع حرارة الكوكب، وتهدد الحياة في المحيط والسهل والجبل، هكذا يقول المدافعون عن البيئة، وعن حق الأجيال القادمة في الحياة “الخضراء”.

يحتاج العالم أن يتوقف عن رفع درجة حرارة الكوكب بأكثر من 1.5 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية منذ عدة قرون.

وفي ظل السياسات الحالية، سترتفع درجات الحرارة في العالم بحوالي 2.8 درجة مئوية بنهاية هذا القرن.

وتلك كارثة كبيرة إذا كنتم تعلمون.

أصبحنا نحتاج إلى خفض عاجل وعميق في مستوى الانبعاثات في هذا العقد، وليس مجرد انتهاج مبدأ “أحرقوا الآن، وادفعوا في المستقبل”، كما كتبت البرلمانية البريطانية كارولين لوكاس.

لا يتوقف الكثيرون أمام أخبار المؤتمرات والندوات والخطب الحماسية لحماية كوكب الأرض من خطر الفناء، لكنهم يشاركون المسؤولين والنشطاء الحلم بكوكب أخضر، يستعيد نقاء نسماته وصفاء المياه في محيطاته المهددة بالأمطار الحمضية.

اسمها مؤتمرات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي.

وهي معاهدة دولية لمكافحة “التدخل البشري الخطير في النظام المناخي”.

أي أن كل هذه الجهود هي تكفير إنساني عن الجريمة الإنسانية في حق النظام البيئي للأرض.

وعندما يتحدث المسؤولون وصناع القرار في حدث دولي كبير مثل مؤتمر قمة الأمم المتحدة للمناخ Cop27 في شرم الشيخ، تبدو أسباب الخطر واضحة.

والحلول أكثر وضوحاً.

لكن العالم يصرخ ويحذر منذ التسعينيات، والثمار على الأرض قليلة: نحن نبتعد عن أهداف كل هذه المؤتمرات، لكننا لا نتوقف عن عقدها كل عام.

هذا التقرير يستعرض أسباب التغير المناخي الكبير الذي تشهده الأرض، وأخطر آثار الانبعاثات والغازات الدفيئة على الحياة، ثم العقبات التي تحول دون تحقيق المنظمات الدولية أهدافها من جهود الحفاظ على البيئة التي انطلقت منذ عقود، لكنها تبقى دون أثر يُذكر.

 

موجات ساخنة وعواصف وفيضانات.. والجفاف يضرب في كل القارات

لن ينسى المدافعون عن البيئة لأعوام طويلة قادمة ما حدث في صيف 2022 الساخن، فقد تجاوزت درجات الحرارة أرقاماً قياسية في جميع أنحاء العالم.

ولن ينسوا دراسة متشائمة من الأمم المتحدة، تنعى للعالم أن خطط الحكومات لتقليص الانبعاثات الكربونية منذ مؤتمر المناخ “COP 26” العام الماضي كانت “غير كافية بشكل محزن”.

وفي التقرير السنوي للمنظمة الدولية للعام الثالث عشر، الفجوة القائمة بين الخطابات والواقع، ورد أن عتبة الـ1.5 درجة مئوية باتت الآن في خطر حقيقي، وفي ظل السياسات الحالية، سترتفع درجات الحرارة في العالم بحوالي 2.8 درجة مئوية هذا القرن.

الأمر الذي يثير القلق “بشكل محزن” كما ورد بالتقرير الأممي، هو أن عدة دراسات أخرى برهنت على وتيرة التقدم البطيئة في معالجة أسباب ارتفاع درجات الحرارة، وأظهرت أن الحكومات لا تستعد لتأثيرات ذلك الارتفاع.

والنتيجة ما تشرحه السطور التالية من أحداث تهدد أمن العالم الغذائي والصحي.

عام موجات الجفاف المفاجئة في كل مكان

شهد العالم في 2022 واحدة من أكثر حالات الجفاف انتشاراً منذ عقود، وتحطمت الأرقام القياسية في بعض المناطق.

كما أصبحت حالات الجفاف “المفاجئة” أكثر شيوعاً.

وكانت منطقة القرن الإفريقي من بين المناطق الأكثر تضرراً، بعد توقف الأمطار لأربعة مواسم متتالية في “أسوأ جفاف منذ 40 عاماً”، كانت له تداعيات على الأمن الغذائي لنحو 50 مليون شخص.

أعلنت الصين حالة طوارئ بسبب الجفاف هذا العام، وسجلت مستويات هطول الأمطار أدنى مستوياتها في غرب أوروبا، في حين تعاني دول آسيا الوسطى مثل أفغانستان وإيران من ظروف جفاف قاسية منذ أكثر من عام الآن.

وفي نصف الكرة الجنوبي، تضررت أمريكا الجنوبية بشدة في السنوات الأخيرة، وسجلت مناطق وسط تشيلي أطول فترة “جفاف شديد” منذ ألف عام.

الاحترار العالمي سيزيد من مخاطر الجفاف في المناطق المعرضة للخطر، نتيجة لانخفاض هطول الأمطار، وانخفاض رطوبة الهواء والتربة.

ويتوقع العلماء أن يصبح الجفاف أكثر حدة، وأن تتسارع موجاته في أنحاء الكوكب.

التغير المناخي يؤثر على الصحة ويزيد الوفيات

اعتماد العالم المستمر على الوقود الأحفوري يزيد من مخاطر انعدام الأمن الغذائي والأمراض المعدية والأمراض المرتبطة بالحرارة.

تلك هي خلاصة تقرير صادر عن لانسيت، إحدى المطبوعات الطبية الرائدة، حذّر من أن تغير المناخ يؤثر بشدة في صحة الناس في جميع أنحاء العالم.

يصف التقرير كيف أدى الطقس المتطرف إلى زيادة الضغط على الخدمات الصحية على مستوى العالم التي تصارع بالفعل مع وباء كورونا.

ويبين التقرير أن الوفيات المرتبطة بالحرارة على مستوى العالم زادت بمقدار الثلثين خلال العقدين الماضيين.

وتشمل الآثار الصحية للحرارة الشديدة تفاقم حالات مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، والتسبب في حدوث ضربات شمس وضعف الصحة العقلية.

ارتفاع مستوى سطح البحر

لسنوات طويلة، ساد اعتقاد بأن مستويات أسطح بحار العالم سترتفع بنحو أقل من متر، على أكثر تقدير، بحلول عام 2100، ولكن الدراسات الحديثة تقول إن الخطر سيبدأ قبل ذلك بكثير، لا سيما مع التسارع المطرد في ذوبان الجليد في غرينلاند وأنتاركتيكا.

مستوى سطح البحر سيرتفع لأكثر من مترين في نهاية القرن، ما يعني أن العالم سيفقد مساحة من اليابسة تبلغ 1.79 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة ليبيا كاملة.

ويمثل هذا السيناريو كارثة للزراعة والأمن الغذائي في بلد مثل مصر، التي يُتوقع أن تشهد غرق مساحة شاسعة من دلتا النيل، تضم مدينة الإسكندرية التي يتجاوز تعداد سكانها خمسة ملايين شخص، ويشكل ناتجها الصناعي نحو 40% من إجمالي الناتج الصناعي المصري.

إنفوغراف: هؤلاء معرضون لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر/ المصدر بي بي سي

توليد الطاقة باستخدام النفط والغاز يزيد ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز – وهي غازات دفيئة قوية تغطي الأرض وتحبس حرارة الشمس.

تأتي معظم الانبعاثات الناجمة عن الصناعات من حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة التي تحتاج إليها المصانع.

الأشجار عند قطعها تطلق الكربون الذي كانت تخزنه. وإزالة الغابات مسؤولة عن ربع انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية تقريباً.

تعمل معظم السيارات والشاحنات والسفن والطائرات بالوقود الأحفوري، مما يجعل النقل مسؤولاً عما يقارب ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

سخونة: ارتفاع درجات الحرارة لدرجة أن العقد الماضي، 2011-2020، كان الأكثر دفئاً في التاريخ، وترتفع درجات الحرارة في القطب الشمالي بسرعة مضاعفة على الأقل عن المتوسط ​​العالمي.

عواصف وحرائق: مع ارتفاع الحرارة يتبخر المزيد من بخار الماء، ويتفاقم هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، وبالتالي العواصف المدمرة.

الجفاف: مع تغير المناخ أصبحت المياه أكثر ندرةً في المزيد من المناطق، وزادت مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالي على المحاصيل.

سخونة المحيطات: ارتفاع درجة حرارة المحيطات خلال العقدين الماضيين زاد من حجمها مع تمدد المياه، مما يهدد المجتمعات الساحلية وسكان الجزر، كما أن حموضة المياه الناجمة عن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون تعرض الحياة البحرية للمخاطر.

الانقراض: يفقد العالمُ الأنواعَ بمعدلٍ أكبر 1000 مرة من أي وقتٍ مضى في التاريخ البشري المدون. وهناك مليون نوع من الكائنات الحية معرضة لخطر الانقراض خلال العقود القليلة القادمة.

المصدر: من صفحة “العمل المناخي” على موقع الأمم المتحدة

 

أربعة أهداف مستحيلة حتى الآن

الحد من الانبعاثات ومساعدات للدول الفقيرة والاستغناء عن النفط أهداف غير ممكنة الآن 

مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ هو قمة سنوية تحضرها 197 دولة من أجل مناقشة تغير المناخ، وما تفعله هذه البلدان، لمواجهة هذه المشكلة ومعالجتها.

ويعد المؤتمر جزءاً من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وهي معاهدة دولية وقعتها معظم دول العالم بهدف الحد من تأثير النشاط البشري على المناخ.

في قمة غلاسكو 2021 بالمملكة المتحدة، توصل المشاركون لاتفاق يهدف لتقليل حجم المخاطر البيئية التي يتعرض لها كوكب الأرض.

يتم اختيار الدولة المستضيفة للمؤتمر وفقاً لنظام التناوب بين القارات المختلفة، وقد تقدمت مصر العام الماضي بطلب لاستضافة دورة هذا العام من المؤتمر، ووقع الاختيار على مصر لاستضافة قمة 2022 باعتبارها الدولة الإفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافة الحدث الذي يتجول بين القارات بنظام التناوب.

وقتها أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن بلاده ستعمل على جعل المؤتمر “نقطة تحول جذرية في جهود المناخ الدولية بالتنسيق مع جميع الأطراف لصالح إفريقيا والعالم بأسره”.

لكن النوايا الحسنة لا تصنع التاريخ، والتحول الجذري في جهود المناخ يصطدم بعدة عقبات تجعل من مهمة إنقاذ الأرض صعبة، وفي قول آخر: مستحيلة.

السطور التالية تستعرض الأهداف الرئيسية الأربعة التي تحاول مؤتمرات تغير المناخ أن تحققها، والعقبات التي تحول دون ذلك.

 

1 ) تقليل معدل الانبعاثات الغازية

تركيزات انبعاثات الكربون أو غازات الدفيئة بلغت أعلى مستوياتها منذ مليوني سنة، كما ورد في إحدى صيحات التحذير من الأمم المتحدة.

تعرف انبعاثات الكربون بالبصمة الكربونية وهي عبارة عن الكمية الإجمالية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تأتي من إنتاج واستخدام ونهاية عمر منتج أو خدمة، ويشمل ثاني أكسيد الكربون وهو الغاز الأكثر شيوعاً الذي ينبعث من البشر وغازات أخرى تشمل الميثان وأكسيد النيتروز والغازات المفلورة، التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي؛ مما يتسبب في الاحتباس الحراري، وعادةً ما يأتي الجزء الأكبر من البصمة الكربونية للفرد من النقل والإسكان والطعام.

وتتوقع دراسة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO أنه بحلول عام 2025، فإن هناك احتمال بنسبة 40%، أن تكون درجة الحرارة العالمية لعام واحد على الأقل أشد سخونة بـ1.5 درجة مئوية عن مستوى درجة الحرارة العالمية ما قبل الثورة الصناعية.

 

ودرجة ونصف الدرجة زيادة مهولة في حرارة الأرض، لأن تأثيرات تغير المناخ تكون أكثر حدة عندما تكون الزيادة أكبر من 1.5 درجة مئوية.

وتشير التوقعات إلى أنه حتى مع التعهدات الأخيرة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن العالم في طريقه إلى ارتفاع في درجة الحرارة يصل إلى 3 درجات مئوية.

لماذا يبدو العالم غير مستعد لوقف الانبعاثات؟

هناك جهد عالمي للوصول إلى صافي انبعاثات صفري، وترى المنظمات المعنية أن تحالفاً ينمو من البلدان والمدن والشركات والمؤسسات الأخرى بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري. لكننا لسنا على الطريق الصحيح للوصول إلى صافي صفري بحلول عام 2050.

لماذا؟

الالتزامات التي تعهدت بها الحكومات حتى الآن أقل بكثير مما هو مطلوب، كما يقول تقرير تفصيلي على موقع الأمم المتحدة.

 

2 ) توفير دعم مالي للدول النامية للتكيف مع تبعات التغير

في “اتفاقية باريس” عام 2015، وافقت الدول المتقدمة على تقديم حوالي 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لمساعدة الدول النامية على التكيف مع المناخ المتغير وتمويل الانتقال للطاقة الخضراء.

لكن الأغنياء تخلفوا عن التزاماتها بمليارات الدولارات، وتم وضع هدف جديد للوصول إلى المبلغ بحلول عام 2023.

وقبيل انطلاق قمة المناخ في شرم الشيخ بأيام، كتبت نيكولا ستيرجن رئيسة الوزراء في اسكتلندا مقالاً عما وصفته بالوضع غير العادل في دفع فاتورة التخريب البيئي، رغم أن بلادها تقع في الجانب “الظالم”.

كتبت “أن هناك ظلما فادحا يكمن في جوهر أزمة المناخ الطارئة، لكون الدول الأفقر والأكثر عرضة للخطر في العالم أول من يعاني من هذه الأزمة، فضلاً عن مجابهتها أسوأ آثارها، رغم أنها الأقل تسبّباً في المشكلة”.

تضيف أن تلك المجتمعات أصبحت بحاجة للأموال لتعويض الخسائر والأضرار، بالإضافة إلى الالتزامات التمويلية الأخرى الخاصة بالتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.

رغم ذلك يبدو إجبار الدول الغنية على تعويض الدول النامية عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الاحتباس الحراري قضية خلافية وليست محل إجماع.

ووفقاً للبنك الدولي فإن 58% من أفقر دول العالم معرضة للخطر أو في “ضائقة ديون حقيقية”، بينما تتراوح احتياجات الخسائر والأضرار للبلدان الضعيفة من 290 مليار دولار إلى 580 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

 القمة تواجه رياحاً معاكسة قوية.

وسوف تطالب البلدان النامية الدول التي أصبحت غنية باستخدام الوقود الأحفوري أن تضخ المزيد من الأموال لتغطية تكاليف الخسارة والأضرار التي يسببها مناخنا المتغير.

وستسأل: ماذا عن 100 مليار دولار سنوياً للعمل المناخي، وهو المبلغ الذي كان من المفترض أن توفره البلدان المتقدمة اعتباراً من عام 2020؟ ما زال ينقصنا بلايين الدولارات.

وحذر المضيفون المصريون للمؤتمر الأطراف من حدوث “أزمة ثقة”.

لكن العالم المتقدم يكافح أزمة تكاليف المعيشة مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء. وكثير من الدول تنفق بالفعل المليارات على الدعم العسكري لأوكرانيا.

فلنستعد لبعض المناقشات الساخنة في مصر.

جاستين رولات

محرر شؤون المناخ في  بي بي سي الدولية

لهذه الأسباب لا يدفعون 

هناك أيضاً الكثير من العقبات مثل التي تواجه المساعدات المطلوبة، مثل الحروب والصراعات الجيوسياسية، كوفيد، الركود، ارتفاع التضخم، ارتفاع أسعار الفائدة.

لكن الدول المتقدمة تتحجج بأن تعريف الضرر والخسارة بسبب التغيرات المناخية غير واضح، ومن ثم تحاول التنصل من هذه المطالب أو تسويفها! من المتوقع إذاً أن تكون هذه القضية هي الأكثر خلافية بين الملوثين الأغنياء فى مواجهة الضحايا الفقراء!

 

3 ) الاعتراف بأننا في حالة الطوارئ.. البعض ينكرون

بينما يجتمع زعماء العالم في قمم المناخ كل عام لمناقشة طرق مكافحة التغير المناخي، تزداد المزاعم على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الأزمة مصطنعة، ولا خطر هناك من أي  نوع!

من ينكرون أهمية القضية تقسمهم ويكيبيديا إلى نوعين، أصحاب الإنكار الصريح والقاسي، وهم يتنصلون من وجود الاحتباس الحراري من الأصل.

وهناك أصحاب الإنكار الناعم، الذين يعترفون بوجود المشكلة، لكنهم يشعرون به خطراً مجرداً وبعيداً، ولا ضرورة للتعامل الطارئ معه.

في منشورات يتم تداولها على الإنترنت هناك من يزعم بأن احترار الأرض سوف يجعل بعض المناطق صالحة للسكن بشكل أكبر، وأن البرودة تقتل عدداً أكبر من الناس مقارنة بالحر.

وأن إجراءات مكافحة التغير المناخي ستزيد الناس فقراً.

وأن الطاقة المتجددة لا يمكن الاعتماد عليها.

4 ) الابتعاد أكثر عن الوقود الأحفوري

تسهم شركات الوقود الأحفوري بنحو 87% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ونحو 62% من جميع انبعاثات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى احترار الغلاف الجوي والتغير المناخي.

يؤدي حرق الوقود الأحفوريّ إلى إطلاق كميات من غاز الميثان بنسبة فاقت ما يتراوح بين 25% و40% مما رصده العلماء سابقاً.

وتسبب التلوث الناجم عن الوقود الأحفوري بأكثر من 8 ملايين حالة وفاة مبكرة عام 2018، أي ما نسبته 20% من حالات الوفاة المبكرة في العالم، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة هارفارد.

وتظهر الأبحاث أن العالم في حاجة فورية إلى خفض إنتاج النفط والغاز بنسبة 6% سنوياً للحد من الاحتباس الحراري إلى عتبة 1.5 درجة مئوية.

لكن العالم غير مستعد للاستغناء عن النفط والغاز

تقليص إنتاج الوقود الأحفوري بمعدل يتماشى مع أهداف اتفاق باريس يتطلب تعاوناً ودعماً دولياً.

الفكرة موجودة، لكن التعاون الدولي نادر.

خطط الحكومات وتوقعاتها مجتمعة ترى أن الإنتاج العالمي الكلي للوقود الأحفوري سوف يزداد حتى عام 2040 على الأقل.

هناك اعتراف عالمي بأن التحول نحو الطاقة المتجددة بعيداً عن الوقود الأحفوري لن يتمّ بين ليلة وضحاها، بل قد يستغرق 30 عاماً، كما أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان قبيل مؤتمر شرم الشيخ.

تمسكت منظمة أوبك بتوقعاتها باستمرار الطلب العالمي على النفط في النمو لعقد آخر، وقالت إن استهلاك النفط العالمي سيرتفع بنسبة 13% ليقترب من 110 ملايين برميل يومياً في عام 2035، ثم يستقر حول هذا المستوى لعقد آخر. وترى أوبك أن حصة النفط في مزيج الطاقة العالمي، حالياً تبلغ 31%، ستنخفض في 2045 إلى 29%.

أضافت المنظمة بكل ثقة: سيكون “من الخطر” التخلي عن الوقود الأحفوري.

أيضاً يبدو الحديث عن الانتقال السلس إلى الطاقة النظيفة أمراً خيالياً بالنسبة للكثيرين.

هم يقولون إنه لا توجد طريقة يمكن للعالم أن يتفادى من خلالها حصول اضطرابات كبرى أثناء إعادة بناء كاملة لنظام الطاقة الذي يُعتبر شريان الحياة للاقتصاد العالمي والأساس الذي يقوم عليه النظام الجيوسياسي.

المشكلة الكبرى في طريق التحول إلى الطاقة النظيفة هي الاعتمادات المالية الضخمة التي يحتاج إليها الطريق “الأخضر”.

ينفق العالم الآن 11 مليار دولار سنوياً للحد من انبعاثات غاز الميثان وتجنّب أسوأ ما في تغير المناخ. لكن دراسة جديدة توصلت إلى أن العالم بحاجة إلى إضافة عشرة أمثال ما ينفقه حالياً، أي 110 مليارات دولار.

يقول تقريرنا اليوم إننا فشلنا

قبل 10 سنوات كان على الحكومات تخفيض الانبعاثات بنسبة 3.3% كل عام.

اليوم، نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.6% كل عام. ويحتاج العالم الآن إلى زيادة في الالتزامات بنسبة خمسة أضعاف. التخفيضات المطلوبة طموحة، لكنها ما زالت ممكنة.

بحلول عام 2025، سيكون التخفيض المطلوب 15.5% كل عام، مما يجعل تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية شبه مستحيل.

هل تقوم الحكومات بما يكفي لخفض الانبعاثات؟ لا. اليوم، لا تقوم الدول بما يكفي.

تمثل مجموعة العشرين (مجموعة من 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي) 78% من إجمالي الانبعاثات. إن انبعاثات مجموعة العشرين هي أكبر فرصة لقيادة العالم إلى مستقبل مزدهر ومتجدد.

نحن على وشك ضياع الفرصة المتاحة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والإبقاء على درجات الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.

وتقريرنا اليوم يقول إننا فشلنا!

ندفع الفاتورة الآن.. أم ندفعها مضاعفة في المستقبل؟

ليس أمام العالم سوى 5 أعوام فقط لخفض الاحتباس الحراري بمقدار 1.5 درجة مئوية، لمواجهة الآثار الكارثية للتغير المناخي، وفق تحذير  الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ للعالم.

تأجيل العمل الحاسم لإنقاذ الكوكب يعكس بوضوح تردد صانع القرار، وصمود الصيغة التقليدية للاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري في وجه التحول صوب الطاقة النظيفة.

“فقط التحول الشامل لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا هو الكفيل بإنقاذنا من الكارثة المناخية المتسارعة”، هكذا تقول مثلاً إنغر أنديرسين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

المنظمة الدولية التي تخصص جهوداً كبيرة للحفاظ على البيئة تعترف الآن بأن تحقيق تقليصات هائلة في الانبعاثات الكربونية بات مهمة صعبة الآن، رغم سهولة التحول في بعض القطاعات للطاقة النظيفة، قطاعات مثل الكهرباء والصناعة والنقل والمباني.

تتلكأ معظم الحكومات في إنقاذ الكوكب الأخضر؛ لأن ذلك يكلف الكثير من الأموال، لكن انتبهوا: التقاعس عن العمل المناخي يكلف ثمناً أكبر بكثير.

يتطلب العمل المناخي استثمارات مالية كبيرة من قبل الحكومات والشركات، لكن علينا أن ندفع الفاتورة الآن، أو ندفع ثمناً باهظاً في المستقبل.

خلال حوار بطرسبرغ للمناخ الذي عقد في يوليو/تموز 2022، لخص أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، بكلمات حزينة الاختيار الذي يجابهه العالم وهو “إما العمل الجماعي أو الانتحار الجماعي”.