الهوية الإيمانية في خطاب السيد القائد.. رؤية قرآنية لمواجهة طغيان الاستكبار العالمي
السياسية - تقرير || جميل القشم *
منذ أن لبى اليمنيون نداء الاسلام طواعية، ظل الايمان في وجدانهم رابطا أصيلا يجسد حضورهم المتواصل في قضايا الأمة ويمنحهم خصوصية شهد لهم بها نبي الأمة صلى الله عليه وآله وسلم بقوله " الإيمان يمان والحكمة يمانية".
وهي دلالة مشرقة تضيء جانبا مهما من شخصية اليمنيين بما تمثله من أصالة الانتماء للدين وعمق الارتباط برسالة الإسلام، واستعداد متجدد لتحمل المسؤولية في ميادين الحق بما يعكس حضورا إيمانيا فاعلا في مختلف المراحل ويجسد ارتباطا عمليا بقضايا الأمة ومسؤولياتها الكبرى.
واليوم، ومع اشتداد المعركة وارتهان الأمة لأعدائها وتحولها إلى ساحة مركزية للصراع، تتصدر الهوية الإيمانية المشهد بوصفها ركيزة للتحصين الثقافي وبوصلة للموقف، حيث يتجه الخطاب القرآني إلى ترسيخ هذه الهوية كمنظومة إيمانية واعية تستنهض المسؤولية تجاه قضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين، في مواجهة طغيان الاستكبار العالمي وأدواته السياسية والإعلامية.
وفي هذا الإطار، يمثل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي نموذجا قياديا في إعادة الاعتبار للهوية الإيمانية باعتبارها أساس البناء الحضاري والإنساني، من خلال مشروع قرآني متكامل يعيد للقرآن الكريم دوره المركزي في صياغة الوعي وتوجيه السلوك وصناعة الموقف، ويربط الإيمان بالفعل والمسؤولية والالتزام العملي بقيم الدين.
وتنطلق هذه الرؤية من فهم عميق للهوية الإيمانية لليمنيين، تلك الهوية التي خصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث النبوي الشريف عن الإيمان والحكمة، وهو توصيف يحمل دلالات روحية وتاريخية وسياسية تعكس أصالة الانتماء الإيماني لهذا الشعب وارتباطه الفطري بدين الله وقيمه العادلة.
ومن هنا، يقدم السيد القائد الخطاب القرآني بوصفه أداة وعي وبناء، ويعيد الاعتبار للقرآن الكريم كمصدر للهداية والتحرك العملي في مواجهة التحديات، ليصبح مرجعا في تشخيص المخاطر وتشكيل الموقف ورسم مسارات البناء والمواجهة في مختلف الميادين.
وتبرز الرؤية القرآنية في خطابات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بوصفها حالة تحصين فكري وثقافي في مواجهة الحروب الناعمة التي تستهدف وعي المجتمعات وهويتها، عبر أدوات التضليل الإعلامي والغزو الثقافي، بما يسهم في رفع مستوى الوعي الشعبي وإدراك طبيعة الصراع مع أعداء الأمة وأبعاده الحقيقية.
وفي جوهر هذه الرؤية، تحتل القضية الفلسطينية موقعا محوريا، حيث يربط الخطاب القرآني بين الهوية الإيمانية ونصرة المستضعفين، ويجعل من الموقف تجاه فلسطين معيارا أخلاقيا وإيمانيا يكشف صدق الانتماء للدين والرسالة، ويترجم الإيمان إلى فعل وموقف عملي في مواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي وأنظمة التطبيع.
وبناء على ذلك، يؤكد السيد القائد أن الانتماء الإيماني الصادق يترجم إلى مسؤولية عملية، تتجلى في مواجهة الطغيان العالمي والتصدي لمشاريع الهيمنة والاستعمار وتعزيز مبدأ العزة الإيمانية الذي يكرسه القرآن الكريم في وجدان المؤمنين.
وفي سياق استحضار الجذور، يستحضر الخطاب القرآني الدور التاريخي لليمنيين منذ فجر الإسلام، حين دخلوا في دين الله أفواجا استجابة لرسالة رسول الله عبر مبعوثه الإمام علي عليه السلام، ليشكل ذلك الحدث التأسيسي منطلقا لهوية إيمانية متجذرة ظلت حاضرة في مختلف المراحل والمنعطفات.
وامتدادا لهذا المعنى، يحرص السيد القائد على تحويل هذه المناسبات إلى ملتقيات للوعي وتعزيز التعبئة الإيمانية، بما يسهم في بناء الإنسان الواعي وتقوية مناعة المجتمع أمام الغزو الفكري والثقافي وإعادة الاعتبار للهوية كدرع حضاري يحفظ للأمة أصالتها واستقلالها، ويتجلى ذلك في زخم الفعاليات المكرسة لعيد جمعة رجب وما تحمله من رسائل إيمانية وثقافية متجددة.
وفي هذا الاتجاه، يمثل إحياء المناسبات الدينية، وفي مقدمتها جمعة رجب، أحد المظاهر العملية لترسيخ هذه الهوية، باعتبارها محطة لتعظيم شعائر الله وتجديد الارتباط بالدين والرسول وتعميق الوعي بتاريخ اليمن الإيماني ودوره في نصرة الإسلام وقضايا الأمة.
كما يحظى البعد الثقافي والشعبي باهتمام واضح، من خلال المجالس الدينية والأنشطة والفعاليات الثقافية واللقاءات الموسعة التي تحولت إلى وسائل تعبير صادقة عن الهوية الإيمانية وأدوات لترسيخ الوعي ونقل المفاهيم القرآنية بلغة قريبة من وجدان المجتمع.
وفي هذا السياق، تسهم الهوية الإيمانية في تعزيز حالة التماسك والاصطفاف المجتمعي وإعادة تعزيز الانتماء على أساس ديني وأخلاقي جامع، بما يرسخ وحدة الموقف ويقوي الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات والتصدي للمؤامرات الخارجية ومناهضة مشاريع الاستباحة وحملات الإساءة للقرآن والمقدسات.
ويرتبط ذلك بتأكيد السيد القائد على أن التحرر والاستقلال ثمرة طبيعية للانتماء الصادق لله، وأن التمسك بالقرآن والهوية الإيمانية يمثل المدخل الأساس لبناء موقف سيادي حر، وهو ما انعكس في المواقف المشرفة لليمن تجاه قضايا الأمة رغم التحديات.
وتتجلى الهوية الإيمانية لليمنيين اليوم في شجاعة الموقف القيادي والتفاف الشعب حول خياراته، وفي الحضور العملي لنصرة فلسطين بمختلف أشكال الدعم العسكري والسياسي والإعلامي والتعبوي، بما جعل اليمن رقما فاعلا في معادلة الصراع وواجهة قوية في الدفاع عن قضايا الأمة، وترجمة صادقة لمعنى الإيمان حين يتحول إلى موقف وعمل ومسؤولية.
وفي مقابل انبطاح عدد من الأنظمة العربية وانجرارها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني والسير في سياسات الخنوع التي تعزز من تكريس الهيمنة الأمريكية في المنطقة، اختار اليمن الانحياز للحق وتثبيت بوصلة الأمة نحو فلسطين قولا وعملا، مستندا إلى وعي قرآني يضع نصرة المظلومين في صدارة الأولويات.
وفي المحصلة، تشكل الهوية الإيمانية في الرؤية القرآنية التي يطرحها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي مشروعا حضاريا متكاملا، يعيد للإيمان دوره المحوري في حياة المجتمع، ويجعل من مواجهة طغيان الاستكبار العالمي موقفا إيمانيا أصيلا، ومن الثبات على الحق مسارا عمليا لهوية يمنية ضاربة في عمق التاريخ وممتدة نحو المستقبل.
سبأ

