معركة الإسناد اليمنية لغزة.. عقلية احترافية وحصار جوي وبحري مؤثر
السياسية || مبارك حزام العسالي*
تُدار معركة الإسناد اليمنية لغزة اليوم بعقلية احترافية وعسكرية متقدمة، تتجاوز مجرد ردود الفعل لتصل إلى مستوى التخطيط الاستراتيجي الدقيق. لم تعد العمليات مجرد إطلاق صواريخ عشوائي، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية شاملة تهدف إلى دعم المقاومة الفلسطينية وإضعاف قدرات العدو الصهيوني؛ هذه العقلية المتطورة تعرف بدقة متى وأين يتم توجيه الضربات، لضمان تحقيق أقصى تأثير على أرض الواقع.
إن ما يميز هذه المعركة هو الفهم العميق للديناميكيات الإقليمية والدولية؛ فكل صاروخ يُطلق، وكل مسيرة تُرسل، تُعد محسوبة بدقة لتحقيق أهداف محددة؛ يتجسد هذا النهج الاحترافي في استهداف المواقع الحيوية للعدو، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، مما يفرض ضغطًا متزايدًا على الكيان الصهيوني.
هذا الدعم اليمني ليس مجرد تضامن معنوي، بل هو إسناد فعال يلمسه العدو بشكل مباشر.
(الحصار اليمني: شل حركة مطارات وموانئ العدو)
إلى جانب العمليات الصاروخية الدقيقة، تتجسد العقلية الاحترافية لليمن في فرض حصار جوي وبحري مؤثر على مطارات وموانئ العدو الصهيوني.
لقد أصبحت مضيق باب المندب والبحر الأحمر ساحة لتأكيد قوة اليمن وقدرته على تعطيل حركة الملاحة التي تخدم الكيان؛ هذا الحصار، الذي يستهدف السفن المتجهة إلى موانئ العدو، قد أحدث تأثيرًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث أجبر شركات الشحن العالمية على تغيير مسارها، مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن وتأخير وصول البضائع.
هذا الإجراء التصعيدي ليس مجرد لفتة رمزية، بل هو سلاح استراتيجي يهدف إلى شل الاقتصاد الإسرائيلي وإجباره على دفع ثمن باهظ لعدوانه على غزة.
إن استهداف الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي يُعد ورقة ضغط قوية تضاف إلى العمليات العسكرية، مما يعكس فهمًا عميقًا لنقاط ضعف العدو وقدرة على استغلالها بفعالية.
إن معركة الإسناد اليمنية لغزة ليست مجرد صراع عسكري، بل هي معركة إرادات تُدار بذكاء وحرفية، وتؤكد على أن التضامن مع فلسطين يتجاوز حدود الكلمات ليصبح واقعًا ملموسًا على الأرض والبحر.
(تداعيات الحصار الجوي: هروب الشركات العالمية من مطار اللد المسمى إسرائيليًا "بن غوريون")
لقد امتد تأثير الحصار اليمني ليشمل المجال الجوي للعدو الصهيوني، وتحديدًا مطار اللد المسمى إسرائيليًا "بن غوريون"، الذي يُعد الشريان الحيوي لحركة الطيران المدني الإسرائيلي. بعد عمليات الإسناد اليمنية التي طالت المطار بصواريخ باليستية وفوق صوتية، اهتزت ثقة شركات الطيران العالمية بسلامة الأجواء الإسرائيلية؛ لم تكن هذه الضربات مجرد حوادث عابرة، بل كانت رسائل واضحة بأن اليمن قادر على تعطيل حركة الطيران وإحداث فوضى في قطاع حيوي للاقتصاد الإسرائيلي.
توالت إعلانات شركات الطيران عن تعليق أو تمديد تعليق رحلاتها إلى مطار اللد، في مشهد يعكس قلقًا متزايدًا من المخاطر الأمنية؛ هذا الانسحاب الجماعي يُشكل ضربة قوية للسياحة والاقتصاد الإسرائيلي، ويعكس فشل المنظومات الدفاعية للعدو في توفير الأمان اللازم للطائرات المدنية.
(من أبرز الشركات التي اتخذت قرار تعليق أو تمديد تعليق رحلاتها بسبب الوضع الأمني المتوتر):
▪︎ الخطوط الجوية البريطانية (British Airways): مددت وقف رحلاتها حتى نهاية يوليو المقبل، ثم مددتها لاحقاً حتى منتصف يونيو.
▪︎ راين إير (Ryanair): شركة الطيران الأيرلندية منخفضة التكلفة، مددت وقف رحلاتها حتى 11 يونيو.
▪︎ الخطوط الجوية الهندية (Air India): أجلت عودتها إلى "إسرائيل" مرة أخرى، ولا رحلات مباشرة حتى أواخر يونيو.
▪︎ إيزي جيت (easyJet): مددت وقف رحلاتها حتى أوائل يوليو.
▪︎ الخطوط الجوية البولندية (LOT Polish Airlines): مددت إلغاء رحلاتها حتى 26 مايو.
▪︎ طيران كندا (Air Canada): أعلنت تمديد إلغاء جميع رحلاتها إلى "إسرائيل" حتى 8 سبتمبر.
▪︎ طيران أيبيريا (Iberia): مددت وقف رحلاتها حتى 31 مايو.
▪︎ أيبيريا إكسبريس (Iberia Express): مددت وقف رحلاتها حتى 1 يونيو.
▪︎ الخطوط الجوية المتحدة (United Airlines): مددت وقف رحلاتها حتى 13 يونيو، وكانت من أولى الشركات الأمريكية التي علقت رحلاتها.
▪︎ ترانسافيا الفرنسية (Transavia France): مددت وقف رحلاتها حتى 2 يونيو.
▪︎ إير بالتيك (airBaltic): الشركة الليتوانية، مددت وقف رحلاتها حتى 2 يونيو.
▪︎ إير سيشل (Air Seychelles): مددت وقف رحلاتها حتى 31 يوليو.
▪︎ إير فرانس (Air France): علقت رحلاتها حتى 20 مايو، ومددتها لاحقاً.
▪︎ لوفتهانزا (Lufthansa) ومجموعتها: التي تضم خطوط بروكسل الجوية، ويورو وينجز، والخطوط الجوية السويسرية والنمساوية، أجلت استئناف رحلاتها بعد توسع نطاق القتال في غزة.
▪︎ دلتا إيرلاينز (Delta Air Lines): علقت رحلاتها ومددتها عدة مرات.
▪︎ ويز إير (Wizz Air): شركة الطيران المجرية منخفضة التكلفة، علقت رحلاتها.
▪︎ الخطوط الجوية الإيجية (Aegean Airlines): علقت رحلاتها إلى مدينة يافا المحتلة التي يطلق عليها الإحتلال "تل أبيب".
هذا التوقف المتزايد للرحلات الجوية الدولية يعكس انهيارًا حقيقيًا في منظومة الأمن الجوي الإسرائيلي وفشلًا في طمأنة قطاع الطيران المدني العالمي بأن مطاراتها في مأمن من أي ضربات.
إنها شهادة أخرى على مدى فعالية الحصار اليمني، الذي لا يقتصر تأثيره على الاقتصاد البحري، بل يمتد ليضرب عصب الحركة الجوية للكيان، مؤكدًا على أن المقاومة اليمنية قادرة على فرض واقع استراتيجي جديد يغير موازين القوى في المنطقة.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب