"فلسطين حرة"... صرخة أخرى ترعب الصهاينة حول العالم
السياسية || محمد محسن الجوهري*
مع تنامي الوعي الشعبي عالميًا، تتعاظم أهمية الأصوات المطالِبة بتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ويأتي في طليعة هذه الشعارات "فلسطين حرة"، النداء الذي يردّده الأحرار في كل مسيرة دولية، وقد بات رمزًا للحرية، وهتافًا عابرًا للقارات يُعرّف بمظلومية أهل غزة وكل فلسطين المحتلة.
لقد كان لعملية طوفان الأقصى الأثر الأكبر في كشف حقيقة ما يجري داخل فلسطين، حيث بات العالم أكثر إدراكًا للطرف المعتدي والطرف المعتدى عليه، في ظل مشهد دموي لا يترك مجالًا للحياد أو التبرير.
ورغم أن الشعار بدأ كهتاف سلمي في التجمعات المتضامنة مع غزة، فقد سارعت دول غربية عديدة - وعلى رأسها الولايات المتحدة - إلى فرض حظر غير قانوني عليه، لتتحول حرية التعبير إلى جريمة. ولم يسلم النشطاء من الاعتقال، سواء في الجامعات أو الشوارع أو حتى على منصات التواصل، التي بدورها مارست عقوبات رقمية كتقييد الحسابات أو إغلاقها لمجرد ترديد شعارات داعمة للشعب الفلسطيني. ومؤخرًا، حظرت شركة مايكروسوفت استخدام أي بريد إلكتروني يحمل عبارات تنتقد إسرائيل، بما في ذلك كلمة "فلسطين".
لكن هذه الإجراءات القمعية لم تُضعف صوت التضامن، بل زادت من شعبية الشعارات الفلسطينية، وعلى رأسها شعار "فلسطين حرة"، الذي أصبح أكثر انتشارًا وتأثيرًا. كما ساهم في توسيع دائرة الوعي بقضية فلسطين، ورفع من معدلات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وأدى إلى تعميق عزلة الكيان المحتل، وكشف تناقض الخطاب الغربي، خاصة في الولايات المتحدة ودول التطبيع، التي تدّعي الدفاع عن الحرية بينما تجرّم الهتاف من أجلها.
وكما هي عادته، أشهر اللوبي الصهيوني في واشنطن ورقة "معاداة السامية" لتبرير قمع المتضامنين، وهو الشعار ذاته الذي يُستخدم مرارًا لتغطية جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان المؤقت في فلسطين وخارجها. وقد أدى هذا الاستخدام الدموي والمسيّس لتهمة معاداة السامية إلى انكشاف زيف الادّعاءات، وتعزيز الوعي العالمي بحقيقة النفوذ الصهيوني داخل مراكز القرار الأمريكي، وفضح استغلال هذه التهمة كغطاء للإبادة لا كوسيلة لمنعها، كما يروج الإعلام الداعم لإسرائيل.
لقد كشف شعار "فلسطين حرة" عن أهمية الكلمة والهتاف كأداة من أدوات الحرب النفسية، حيث أثبت أن الصرخة في وجه الظلم ليست مجرّد تعبير، بل سلاحٌ لا دموي يرعب المجرمين، ويهزّ أركان منظومات الاحتلال والدعاية المضادة. فحين ترتفع الهتافات في الشوارع والجامعات، وتُدوّي في الفضاء الرقمي، يشعر المعتدي بأن صورته تنهار أمام الرأي العام، وأن الأكاذيب التي بناها لعقود تتفكك أمام وعي الشعوب. إنها مواجهة ناعمة في الشكل، لكنّها عميقة التأثير، لأنها تُسقط الشرعية الأخلاقية عن المحتل وتُجرده من غلافه الإعلامي والسياسي.
وهنا يبرز تساؤل مشروع: إذا كان شعار "فلسطين حرة" بكل سلميته وبساطته يثير هذا القدر من القلق والرعب في الكيان الصهيوني ومعسكره الداعم، فكيف هو الحال مع شعارات أكثر حدة وصراحة، كصرخة أنصار الله التي أطلقها السيد حسين بدر الدين الحوثي، والتي تضمنت عبارة "الموت لإسرائيل"؟
إن عبارة "الموت لإسرائيل" لا تعبّر عن رغبة في الإبادة، كما يزعم خصومها، بل تحمل مضمونًا سياسيًا وأخلاقيًا واضحًا: رفض الوجود الاستعماري، ومواجهة منظومة العدوان، وتعرية الاحتلال من شرعيته المزعومة. إنها صرخة تعبّر عن وعي عميق بأن إسرائيل ليست مجرد دولة محتلة، بل رأس حربة في مشروع عالمي يسعى للهيمنة واستعباد البشرية وتقسيم المنطقة ونهب ثرواتها.
وقد أثبت الواقع أن هذه الصرخة كانت كفيلة بتعبئة أجيال كاملة على قاعدة الرفض والمقاومة، حتى تحوّلت إلى مصدر قلق مزمن لدى اللوبيات الصهيونية التي تخشى من انتشارها في وعي الشعوب أكثر من خشيتها من أي سلاح.
إن ردود الأفعال الغاضبة والمرتبكة تجاه شعار سلمي كهذا تكشف هشاشة الكيان أمام الصوت الحر، وتؤكد أن مجرد الهتاف بالحق يشكّل تهديدًا استراتيجيًا لمن اعتاد على احتكار السردية وتزييف الوعي. فالكلمة التي تخرج من قلب الشعوب قد تكون أبلغ من الرصاص، وأبقى أثرًا من كل آلات الحرب.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب