السياسية || محمد محسن الجوهري*

يجمع المسلمون على أن اليهود شرٌّ مطلق، وأن كل أشكال التقرب منهم رِدَّةٌ عن دين الله بشهادة النص القرآني الشريف، بل إن الفرق الإسلامية وفي صراعاتها المذهبية عبر التاريخ، تتهم خصومها بالخضوع لتحريف اليهود، في حال أرادت الانتقاص منهم، ولا تزال مثل هذه التهم قائمة حتى اليوم وستظل ما بقي الليل والنهار، فاليهود خطرٌ على البشرية، وقد حرّم الله كل أشكال المودة أو القبول بهم، ليس من باب التعصب العنصري، بل لأن في عقائدهم ما يضر بالإنسانية جمعاء، وما نراه في غزة خير دليل على صوابية المنهج الإلهي في وجوب بغضهم ومقاطعتهم.

وعليه، فإن أي جماعة تتقرب من اليهود هي تشهد على نفسها بالانحراف عن دين الله، وبخروجها عن إجماع الأمة، وبأنها أصبحت شاهداً على بطلان عقائدها التي -ربما- لم تخلُ من التحريف اليهودي، وأن كل ما قيل عن التقنّع اليهودي من أجل تحريف العقائد ينطبق عليها بالنص، وهنا نخصّ بالذكر الطوائف الوهابية التي أجمعت على الولاء لليهود، مخالفة بذلك روح الإسلام الأصيل.

وليست صدفةً أن تجد حكام الخليج، ومعهم زعيم سورية التكفيري أحمد الشرع، يقفون في صف الكيان الصهيوني، فهم نتاج أكثر العقائد ضلالاً وتحريفاً، وأكثرها عداءً للإسلام والمسلمين، ولك أن تتأمل سهام هذه الجماعة إلى أين تتجه، فهي لا تهاجم اليهود أبداً، ولا نرى خناجرها إلا في ظهر الأمة الإسلامية.

فالنظام السعودي يعدم آلاف المسلمين سنوياً في بلاد الحرمين بتُهَمٍ لا يجرؤ أن يثيرها إذا كان الجناة من الغربيين غير المسلمين، كما لا يجرؤ -حتى من باب الدعاية الإعلامية- أن يثير تهمة التكفير بحق اليهود المحتلين للشعب الفلسطيني، وبحسب فتاوٍ لشيوخ الوهابية، فإن الدين اليهودي أقرب لهم من أغلب الجماعات المسلمة، وهذه حقيقة تكشّفت كثيراً مع الأيام.

وكذلك الحال بالنسبة للمدعو الجولاني، فقد تسببت جماعته بقتل مئات الآلاف من السوريين من مختلف الطوائف، آخرها ما حدث ولا يزال في الساحل السوري، لكنه بلا مخالب ولا أنياب عندما يتعلق الأمر باعتداءات الكيان الصهيوني على أرضه، وحاله في ذلك حال المسيحيين الحاكمين للبنان، وحال الوهابية في بلاد الحرمين، ولا غرابة في ذلك، فالمنبع واحد لكل عقائدهم الضالة.

ولو أن ابن سلمان أو الجولاني، وغيرهم من التكفيريين، يحترمون الشخصيات التاريخية التي يزعمون أنهم على دينها ويدافعون عنها ليل نهار، لما أقدموا على مثل هذه العمالة، فهم يقدمون شهادةً عملية بأن قدواتهم، ممن يسمّونهم بالسلف الصالح، هم من اليهود، ولو كانوا مسلمين لاختلف الوضع، ولكان لهم مواقف أخرى تجاه غزة وأهل فلسطين عموماً.

ولا نستبعد أن هذه الجماعات اختارت قدواتها بعناية حتى تبرر عمالتها لليهود في وقتٍ لاحق، ولذلك نجدها تتجنب الاقتداء بالشخصيات المعادية لليهود، كالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ففي ولائه له عزٌّ كبير لا تقوى على مثله، ومن المستحيل لمن يواليه أن يُشوه ولايته ويلطخها بعار العمالة والتطبيع، فسيف علي يأبى لشيعته أن يكونوا خدماً لليهود تحت أي ظرف من الظروف، ولن يكون من يوالي علي إلا حيث ينبغي أن يكون علي، ولهذا نجد إيران وحلفاءها في صف الحق المعادي لليهود، وهذه من ثمار الولاية الإيمانية عندما تكون في مكانها الصحيح.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب