ماذا أصاب الأمة الإسلامية من فتور وهزال وغياب وعي تجاه ما يحدث من جرائم وحشية في قطاع غزة؟
السياسية:
د. عبد العزيز صالح بن حبتور*
يتعرض أهلنا الفلسطينيون في قطاع غزة لمذبحة وحشية مدمرة من قبل النازيين الجدد لكيان العدو الإسرائيلي الصهيوني قل أن يحدث نظيرها بهذا الوضوح الفاضح والعلانية الممجوجة في أي بقعة من هذا العالم الفسيح.. ما يحدث من قتل وتشريد وتجويع للأطفال والنساء والرجال المسنّين، والمستمرة لقرابة 650 يوما وليلة ، وبدم بارد، وبأحدث آلة عسكرية، وتقنية صهيو أمريكية، لهو شيء مروع ومزر ومرعب ومخيف، يترك ندوبا غائرة في وجه الحكام العرب والمسلمين، ووجه منظومة الأمم المتحدة المتماهية مع كل جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية.
كنت أتبادل أطراف الحديث مع عدد من الأصدقاء في أحد المتنزهات العامرة بالعاصمة صنعاء، وكان محور حديثنا هو: ما يحدث في هذه اللحظة من جرائم تجويع، وقتل، وإبادة، وتدمير لأهلنا الفلسطينيين في قطاع غزة، وكم من الوقت يحتاج ضمير ووعي الإنسان العربي والمسلم لكي يستيقظ ويثور، ويغضب، ويحتج، ويقاوم بأية وسيلة كانت، وبأي طريقة مناسبة على يشاهده يوميا صباح مساء عبر وسائل الإعلام الجماهيري المحلية والعربية، والأجنبية المختلفة، والمتنوعة، كم لدى ذلك الإنسان المغيب وعيه وإنسانيته من عمر؛ لينشغل ويتغافل عما يحدث من سيل الجرائم المرتكبة بحق الأبرياء من الأسر الفلسطينية، ليس في قطاع غزة وحدها، بل في مدن، وقرى الضفة الغربية الفلسطينية، ومدينة القدس الشريف.
تقول الإحصاءات الرسمية المعلنة إن عدد المسلمين، والمسلمات قد تجاوز المليار والنصف من إندونيسيا شرقا حتى المغرب العربي غربا، كما تشير الإحصاءات إلى أن عدد العرب، ومعظمهم مسلمون من الطائفة السنية الكريمة يسكنون من سلطنة عمان العربية شرقا حتى مدينة كازابلانكا بالمغرب العربي يقتربون من أربعمائة مليون عربي مسلم.
هذه الأرتال البشرية تشاهد قنوات التليفزيون بمعدل نصف ساعة يوميا، وتتابع تطبيق الفيسبوك الخاص بمعدل ساعة إن لم يكن أكثر يوميا، وآخرون يشاهدون تطبيقي الواتساب، والڤايبر وغيرهما.
المؤكد أن أخبار تجويع، وقتل وتعذيب أشقائهم الفلسطينيين العرب من طائفة السنة الكريمة وكذلك من منتسبي الديانة المسيحية يشاهدونها عبر شريط، ونشرات الأخبار، والمواقع الإلكترونية العديدة في كل لحظة، فكيف يمكن لنا تطبيق التعاليم الإسلامية السمحة على تلك الأكوام من المسلمين والعرب؟
أليس غريبا وداميا ما يحدث أمام ناظرنا من ملهاة مرعبة تنذر بأننا أمام ظاهرة فريدة، وخاصة واستثنائية في هذا العالم الظالم وفي هذه الحياة.
أيعقل أن هذه الأمم سالفة الذكر جميعها بلا عقول، وبلا وعي، وبلا ضمير، وبلا أخلاق، وبلا رجولة، وبلا شرف؟ أين التأثير الديني الإسلامي لآلاف، بل قولوا لملايين المساجد، والجوامع والمصليات المنتشرة في جميع قارات العالم؟ أين الخطباء الجهابذة، والواعظون المنتشرون في كل مدينة، وحي، وشارع وقرية إسلامية وعربية؟
أين أثر وتأثير الحرمين الشريفين (مكة المكرمة، والمدينة المنورة) وهجرة مئات الملايين من المسلمين من الحجاج والمعتمرين من المسلمين إليهما في كل عام، ومنذ أزيد من 1447 سنة هجرية.
أين تأثير وأثر الأحاديث النبوية الشريفة لرسولنا الأعظم محمد بن عبد الله "صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين، والتي أغدق بها العلماء المسلمون، أمثال البخاري، ومسلم رحمهما الله، والذي بشرنا بها - ذات يوم - جهابذة قضاة السنة وأئمتهم بأن كتاب البخاري ومسلم، هو أصدق كتاب بعد القرآن الكريم.. الله أكبر على مثل تلك الفتاوى والاجتهادات المبالغ فيها والتي أنتجت لنا ذلك الوعي المشوه للأمة كلها، وهي أمة المليار والنصف؟
السؤال، هل هذه الأمة الإسلامية والعربية مغيبة في وعيها، وفي حالة غيبوبة سريرية كلية أمام ما يحدث من جرائم يومية فظيعة لأهلنا الفلسطينيين في قطاع غزة، والضفة الغربية الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023م، أي منذ بدء معركة طوفان الأقصى المباركة، وحتى لحظة كتابة مقالتنا هذه بتاريخ 4 يوليو2025م.
عصابات الكيان الإسرائيلي الصهيوني - وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، والبلدان الغربية المكونة من كل من (فرنسا، بريطانيا - ألمانيا، إيطاليا، وكندا، ومعظم الأنظمة العربية، والخليجية، تحديدا.. جميع تلك الدول دعمت كيان إسرائيل عسكريا وأمنيا، وماليا، واقتصاديا، ولوجستيا؛ مما مكنها من شن عدوان متوحش على قطاع غزة، والضفة الغربية، وعلى الشعب اللبناني البطل، وعلى أراضي الجمهورية العربية السورية بعد إسقاط نظام الأسد العروبي، وعلى الشعب اليمني في الجمهورية اليمنية، وعاصمتها صنعاء، وعلى العراق، وأخيرا شنت عدوانا غادرا خسيسا على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ بهدف إسقاط النظام الإسلامي الحر، أو على الأقل تدمير قوته النووية، والصاروخية والعسكرية الأخرى، لكنها فشلت فشلا ذريعا في تآمرها، ووقعت في شر أعمالها، وشاهد العالم كل العالم - ولأول مرة - تدمير المدن الإسرائيلية، وقواعدها العسكرية، ومراكز التجسس لديها، بالإضافة إلى هروب آلاف المواطنين الصهاينة الإسرائيليين عبر الحدود المصرية والأردنية، وعبر الشواطئ الفلسطينية وصولا إلى موانئ قبرص.
دعونا نبحث في الأسباب الموضوعية، والذاتية التي أوصلت معظم الرأي العام الإسلامي والعربي إلى هذا المستوى من فقدان التفاعل الإخوي والديني مع القضايا المصيرية للأمة:
أولا: لم تعد قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية والعربية، وتم محاربة فكر وثقافة الجهاد الحقيقي في سبيل الله وفلسطين، وتم استبدالها بثقافة جهاد تنظيم القاعدة، وجهاد مقاتلي تنظيم داعش، وجهاد النكاح، وغيرها من أنواع الفتاوى التي تبعد الأمة عن أداء واجبها تجاه فلسطين، وشعبها الصابر المقاوم.
ثانيا: خيانة الحكام العرب للقضية الفلسطينية، وبدأوا يتنكرون لحق الفلسطينيين في أرض فلسطين، وفي عودة اللاجئين، والمهجرين قسرا، وتعويضهم التعويض العادل عما جرى لهم من تهجير، وطرد من مدنهم، وقراهم، وبيوتهم، وتم التنكر لأرواح، ودماء الشهداء الأبرار.
ثالثا: خيانة معظم الحكام العرب للقضية الفلسطينية، بدءا بخيانة محمد أنور السادات، باعترافه بالكيان الصهيوني، وزيارته الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1977م، وكذلك خيانة ملك الأردن الملك حسين الهاشمي، وخيانة المدعو محمود عباس - رئيس السلطة اللاوطنية الفلسطينية لأرضه، ووطنه، وبعدها تناثر العربان الخونة، وصولا إلى خيانة حكام المملكة السعودية، وبقية العصابة التي خانت أرض فلسطين، وشعبها العظيم.
رابعا: قبول الحكام العرب الخونة بشروط الحركة الصهيونية بتغيير وتطبيع المناهج التربوية، والتعليمية للتلاميذ، والطلاب في المدارس الأساسية، والثانوية في جميع عالمنا العربي، وربما الإسلامي، وبالتالي رأينا ذلك المنهج التربوي المتصهين كيف أفسد عقول ووعي، وثقافة الأجيال العربية المتعاقبة.
خامسا: نشر ثقافة الاستسلام الجمعي بين فئات المجتمع العربي لمقولة بأن كيان إسرائيل قوة عسكرية، وأمنية، وعلمية لا تقهر، وأن مفتاح الحل للقضية الفلسطينية هو بيد أميركا بنسبة 99%، وهكذا تم نشر سياسة، وثقافة الاستسلام، والانبطاح للمشروع الصهيوني الأمريكي الأطلسي.
سادسا: نشر وتعميم الثقافة الاستهلاكية للبضائع الرأسمالية المستوردة من الأسواق الغربية، وتعميمها في الأسواق المحلية في المجتمعات العربية الإسلامية، وجعلها ثقافة يومية استهلاكية مع نشر الأفلام الغربية المدمرة للروح الثقافية الوطنية، والهوية الايمانية البعيدة عن الالتزام الروحي والديني الإسلامي الحنيف.
سابعا: خلقت الحركة الصهيونية الأمريكية والأوروبية مع الحكام العرب المتصهينين بؤرا للتوتر عالية المستوى، وخلقت مشاكل سياسية، وعسكرية، واقتصادية داخلية في البلدان العربية كلها تقريبا، وجعلت تلك المجتمعات العربية، والشعوب بطبقاتها، وقواها الاجتماعية ومؤسساتها الوطنية تدور وتلف حول ذاتها، وتستهلك ذاتها وقدراتها، وبالتالي لم يعد لدى المواطن العربي وقت حتى في مجرد التفكير في القضايا العربية العامة وخلافها.
الخلاصة:
لا يمكن التخلص من هذا الواقع العربي الرديء، والمزري سوى بإعلان الثورة، والتمرد على كل تلك النظم العربية الإسلامية المتصهينة، وخلق مقدمات لحالة إنسانية اجتماعية شعبية ثائرة تجتاح، وتقضى على تلك الأنظمة والحكومات، والممالك، والمشيخات العميلة، والخانعة للولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني التي كبلت الشعوب العربية والإسلامية بمجملها، ومن هنا سيتم تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر بإذن الله تعالى وحوله.
"وفوق كل ذي علم عليم".
* عضو المجلس السياسي الأعلى في الجمهورية اليمنية – صنعاء
* المقال يعبر عن رأي الكاتب