كيان الأسدي*

تتحرك الإدارة الأمريكية بخطى حثيثة لضرب المسار الانتخابي في العراق، عبر محاولات التأجيل، أو النيل من الشرعية، أو حتى التلاعب بنتائج الانتخابات لصالح أطراف مرتبطة بالمحور الأمريكي. هذه ليست تكهنات، بل مؤشرات متزايدة تؤكد أن واشنطن لا تنظر إلى الانتخابات العراقية إلا كأداة لإعادة رسم النفوذ بما يخدم مصالحها.

إن تحريك ورقة “داعش” في المناطق الغربية – حتى وإن تم بصورة محدودة – بالتنسيق مع بقايا البعث، ليس أمرًا عبثيًا، بل يُعد أحد السيناريوهات الموضوعة لتبرير التأجيل تحت غطاء “الحدث الأمني الطارئ”.

في ذات السياق، فإن أي اضطراب في مناطق الوسط والجنوب، أو تحشيد الشارع من قبل قوى مناوئة للمشروع الوطني، يشكل بيئة مناسبة لإغراق البلاد في فوضى سياسية، تؤدي إلى تعطيل الاستحقاق الانتخابي وإبقاء العراق أسير حكومة تصريف أعمال وصراعات لا تنتهي.

الولايات المتحدة، وبعد فشلها في تحقيق مكاسب حقيقية في صراعها مع الجمهورية الإسلامية في إيران، بدأت تنظر إلى العراق كساحة بديلة لتصفية الحسابات. المؤشرات تتصاعد، حتى وإن لم تتجسد بعد بشكل صريح ومباشر.

من هنا، فإن المعركة المقبلة ليست فقط معركة صناديق اقتراع، بل هي معركة وجود. هي لحظة مواجهة مع مشروع يضرب عمق الإسلام المقاوم، ويستهدف كل قوة قادرة على الوقوف بوجه الهيمنة الأمريكية.

واشنطن تحاول أن تُجمّل عدوانها بتصريحات من قبيل “ضرب أذرع إيران”، لكن الحقيقة نطق بها ترامب ذات يوم: “لا نريد أن نسمع شعار الموت لأمريكا في الشرق الأوسط”.

هذا الشعار الذي يُقلقهم ليس مجرد كلمات، بل رمزٌ لمشروع مقاوم. لذا، فإن المستهدف لم يعد من يرفض الوجود الأمريكي سياسيًا فحسب، بل كل من يمتلك الإرادة والقدرة على مقاومته فعليًا.

المعركة إذن أوضح من أي وقت مضى: ليست بين مواقف متباينة، بل بين مشروع هيمنة ومشروع مقاومة… وبينهما شعبٌ يجب أن يُدرك أن سيادته وكرامته لا تُمنح، بل تُنتزع.

اليوم، ميزانُ الحقّ لم يَعُد يُقاس بما يقوله هذا القيادي أو يزعمه ذاك الزعيم، بل بما يُعلَن من موقف صريح ضدّ أمريكا، قولًا وفعلاً.
فقل لي: هل تُعادي أمريكا؟ هل رفعتَ السلاح في وجه نفوذها؟ عندها سأقول لك من أنت.

أما التاريخ، فلا يشفع لتقلبات المستقبل، بل الحاضر وحده من يكتب سطور المصير.
كم من شخصية خُدعت بها الجماهير، حتى إذا ما احتكّت مصالحهم بتهديدات أمريكا، أو لوّحت لهم بعقوبات، انقلبوا على أعقابهم، وتكشّف معدنهم الزائف.

وهنا، عند الامتحان، يُكرم المرء أو يُهان.

اللهم لا تجعلنا من الذين يُهانون،
واجعلنا من الذين تصدح حناجرهم بالموت لأمريكا، وتتسابق بنادقهم لقتالها.

*كاتب عراقي
*المقال يعبر عن رأي الكاتب