السياسية || محمد محسن الجوهري*

راية "الصحابة" تعجز عن مواجهة الكيان الصهيوني متى ما سمعت أحدهم يتحدث عن الصحابة ووجوب الدفاع عنهم، فاعلم أن الحديث هنا للاستهلاك الطائفي بين المسلمين، وستكون هذه الراية حاضرة لارتكاب أبشع الجرائم بحق المسلمين بدعاوٍ مذهبية ضيقة، حتى إذا كان لها أن تواجه العدو الصهيوني تحت راية الإسلام العريضة، تراجعت على أعقابها بدوافع المصالح الوطنية، كما رأينا في خطاب الجولاني (أحمد الشرع) الأخير رداً على الاعتداءات الصهيونية على دمشق في ظل أحداث السويداء الطائفية.

كان رجال الشرع شداداً على الدروز، وعلى العلويين من قبل، وقد استغل الكيان هذه الطائفية المقيتة للتدخل في سورية وتبرير احتلاله لمناطق واسعة منها، وبدلاً من الرد على تلك الاعتداءات، تحولت راية الصحابة إلى راية سلام مطلق مع الكيان، بل وانسحبت مجاميعهم كلياً من محافظة السويداء تمهيداً لاقتحامها من آليات العدو الصهيوني التي اكتظت بها شوارع المحافظة بعد ساعات من انسحاب الجماعات التكفيرية.

وهذه المفارقة تضعنا أمام مراجعة عملية بخصوص الفكر المتحجر لدى الجماعات السلفية المتطرفة والممولة خليجياً، وينبغي على إثرها الحذر من كل دعواتها المشبوهة التي لم تجد عنواناً لها سوى "الصحابة" لتذكي به نيران الفتن المذهبية بعد أن خسرت من قبل راية الدين التي حاولت احتكارها من قبل وخسرتها بسبب دواعيها المذهبية، وبات من اللازم الحذر منها وحتى التحذير من تناقلها فلن يتضرر منها سوى المسلمون، أما الصهاينة فهم من الجماعات التكفيرية في مأمنٍ، وأجزم أن "إسرائيل" لن ترى منهم ما يسوءها إلى الأبد.

ولا نستبعد أن هزيمة التكفيريين في السويداء سترتد إلى الداخل الإسلامي في سورية، بل وحتى ضد المسيحيين المسالمين في البلاد، فتلك الجماعات تبحث عن فريسة جديدة لتثبت شدتها من جديد، ولن يكون ذلك إلا أمام البسطاء من عامة الناس، تماماً كما تفعل "إسرائيل" معهم اليوم، حيث تبحث عن انتصارٍ وهمي بعد هزيمتها الكبرى أمام إيران وفشلها في ردع الهجمات اليمنية في البر والبحر.

وما يؤكد هذا الانحراف العميق أن الكيان الصهيوني لم يتعرض لأذى حقيقي من هذه الجماعات طوال العقد الماضي، رغم أنها تدّعي أنها "في حالة حرب مع أعداء الله". بل إن "إسرائيل" وعلى لسان محلليها العسكريين – باتت تصنف هؤلاء على أنهم ورقة ضغط مفيدة يمكن استخدامها لتقسيم سورية وإضعاف محور المقاومة. ومثلما كانت تفعل واشنطن في العراق، تقوم تل أبيب اليوم بدور المحرك من الخلف، فيما يتولى "المجاهدون" تنفيذ المهام على الأرض دون أن يدركوا أو ربما يدركون أنهم يتحركون داخل مسرح عمليات صُنع في تل أبيب.

إن راية "الصحابة" التي تُرفع اليوم ليست سوى ستار دخاني لإخفاء مشروع طائفي موجه ضد الأمة نفسها، وتستخدمه جماعات لا تعرف من الصحابة إلا أسماؤهم. أما حين يحين وقت الصراع مع العدو الصهيوني، فإن هذه الراية تُطوى، لتظهر وجوه التواطؤ والعمالة، ويعود أصحابها لممارسة هوايتهم المفضلة: ذبح المسلمين باسم الدين، وتبرئة الصهاينة باسم "المصالح الوطنية".

ولهذا، لا بد من فضح هذا الاستخدام الكاذب لرموز الإسلام، ورفض كل دعوة مشبوهة تقتات على الفتن الطائفية، وأن نُعيد تصويب البوصلة: لا عدو لنا سوى الكيان الصهيوني ومن يحميه، وكل سلاح لا يُرفع في وجهه هو سلاح خائن، مهما كُتب عليه من شعارات.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب