مراسل وكالة "سبأ" في غزة يروي معاناته خلال عام في السجون الصهيونية
السياسية - تقرير :
خرج من السجون الصهيونية بعد عام من الاعتقال والتعذيب بشتى صنوف الضرب والحرمان والإرهاب؛ وعند إطلاق سراحه ضمن صفقة (طوفان الأقصى) خرج ليجد منزله ومنزل والده ووالدته وكل منازل أقاربه وجدها جميعها مدمرة، في صورة تختزل جانبًا بسيطًا من معاناة سكان قطاع غزة جراء العدوان الاسرائيلي.
وعلى الرغم من كل ذلك النزف، خرج مراسل وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في قطاع غزة، نضال عليان، من المعتقل رابط الجأش، متمسكًا بمهنته، مصرًا على إكمال مهمته في كشف فضائع العدو الصهيوني بحق شعبه؛ فتلك رسالته، التي لن يتخلى عنها، على الرغم من تهديد السجان له بالموت في حال عاد للعمل الصحفي.
في أولى رسائله عقب إطلاق سراحه، أراد نضال أن يتحدث عن أهم اللحظات، التي مر بها خلال فترة اعتقاله، وتحديدًا منذ أكتوبر 2024 حتى أكتوبر 2025م، ولو تعريفًا بنزر منها.
يصف لحظات الاعتقال لدى العدو الصهيوني بالصعبة والقاسية جدًا، "منذ أولى لحظات القبض عليّ، وحتى آخر لحظة، قُبيل الافراج".
يقول: "قبل الاعتقال بلحظات كنتُ مع عائلتي: زوجتي وأطفالي في شمال قطاع غزة. وقتئذ تعرّض شمال قطاع غزة لتوغل كبير جدًا وواسع وقصف عنيف جدًا. للأسف اضطررنا لمغادرة المنزل باتجاه حاجز لجيش العدو الصهيوني".
عند وصولهم إلى الحاجز أمر الجيش باعتقال نضال مباشرة، وتفريقه عن عائلته.
الاعتقال
يضيف: "كان الضابط المتواجد يعلم علمًا يقينًيا أنني أعمل صحفيا، وبخاصة عندما فحص رقم هويتي في الأجهزة لديه. لكنه سخر من الأمر، وأمر باعتقالي مباشرة، فتم تجريدي من كل ملابسي، وعصب عينيّ، وأيضًا تكبيل يديّ بشدة".
" تم الاعتداء عليّ جسديًا ولفظيًا – الحديث مازال لنضال- وتم توقيفي لليلة كاملة في البرد القارس، وأنا شبه عارٍ، بظروف صحية وجسدية صعبة جدًا، ثم تم نقلي إلى سجن تابع للجيش الصهيوني، هو سجن سدي تيمان العسكري سيء الصيت والسمعة".
في هذا السجن تعرّض نضال لصنوف من التعذيب القاسي ولقمع متواصل، هو وكافة الأسرى، الذين كانوا يتواجدون معه في هذا السجن. ثم تم نقله إلى المخابرات الصهيونية، وهناك تعرّض للتحقيق.
يقول: "خلال التحقيق هناك تم تهديدي، وتم الاعتداء عليّ بوسائل عديدة، وهناك، أيضًا، سخر ضابط المخابرات، عندما قلتُ له إنني صحفي، وأعمل منذ سنوات طويلة في هذا المجال، ويُفترض أنني أتمتع بحصانة دولية؛ كوني أعمل في منطقة مواجهات عسكرية، لكنه لم يبد اهتمامًا لهذا الأمر، وجعل من ذلك تهمة، وبالفعل وجّه لي تهمة دعم الإرهاب، وقال لي: أنت ستكون عندنا معتقلا لسنوات طويلة".
كسر القفص الصدري
تم إعادة نضال إلى معتقل سدي تيمان؛ وهناك كان يتعرض بشكل شبه يومي للقمع، بوحدات قمع سيئة وعنيفة جدا.
يقول: "لا أعتقد أن أحدا من الأسرى الذين كانوا يتواجدون معي لم يتعرض إلى كسر في قفصي الصدري. أنا من الأشخاص الذين تعرضوا أيضا لكسر في القفص الصدري".
وتابع:"منذ بداية اعتقالي كانت الظروف الصحية صعبة جدًا. لم يتم تقديم العلاج اللازم، وكانت ظروف الطعام المقدّم لنا أيضًا قاسية، إذ كانوا يتعمدون أن يجعلونا طيلة الوقت في حالة جوع شديد. الأكل كان قليلا".
بعد مكوثه في سجن سدي تيمان العسكري لمدة شهر، تم نقله إلى معسكر للجيش الصهيوني، أيضًا، في مدينة الناصرة شمالي فلسطين، وهناك مكث نضال نحو شهرين في ظروف صعبة وقاسية أيضًا، لدرجة لم يكن الأسرى يرون الشمس، إذ كانوا في غرف مغلقة محصّنة، وكانت ظروف النظافة أيضًا صعبة، ولا يتوفر ملحقات متعلقة بالنظافة الجسدية، فكانت تتفشى الأمراض.
البرد القارس
يقول: "ظروف صعبة وقاسية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. كنا في لحظات عديدة نرى الموت بعيوننا بسبب البرد القارس، لم يتوفر لدينا أغطية كافية، لم يتوفر لدينا ملابس كافية، كنا نلبس فقط كنزة أو بلوزة وبنطال واحد فقط طيلة فترة الشتاء".
وأردف: كنا نرى الموت بأعيننا بسبب قلة الطعام والظروف الصحية والإعياء والبرد الشديدين.
أعادوا نضال، لاحقًا، من جديد إلى سجن سدي تيمان، ومكث فيه نحو شهرين.
يقول:"كانت، أيضًا، من أصعب الأشهر في حياتي. تعرّضتُ فيها لضرب شديد ومبرح خلال فترات النقل بين السجون، وأيضًا خلال مكوثي في كل السجون".
سجن النقب والسجود للضباط
تم نقل نضال من سجن سدي تيمان إلى سجن النقب الصحراوي في جنوب فلسطين المحتلة، ومكث فيه سبعة شهور.
يقول: "تعرضنا لألوان من العذاب في هذا السجن. كان معظم الأسرى يعانون من الأمراض الجلدية، بينما إدارة السجن كانت تتعامل بسخرية من هذا الأمر.
يضيف: "كانوا يتعمدون أن يجعلوننا بوضع مهين جدا. كانوا يتعمدون أن يضعونا بكثرة في وضع السجود أمامهم. للأسف كانوا يرغموننا على السجود دائمًا، وأن نضع رؤوسنا على الأرض أمام الضباط والسجانين. وهذا الأمر كان مهينًا جدًا وقاسيًا. وربما أصعب من قلة الطعام لدينا".
ويستطرد متحدثًا عن صنوف العذاب التي عانوا منها داخل هذا السجن: "كانوا يكيلون لنا الشتائم السيئة جدًا للأسف، ولم نكن نعرف ما هي الأخبار عن المحيط الخارجي، عن أهلنا في غزة، أخبار العالم وأخبار العالم العربي، أخبار المواجهة مع الكيان الصهيوني، لم نكن نعرف أي شيء منها للأسف. كانت تصلنا بعض الأخبار المختارة من خلال ضباط المخابرات الذين كانوا يتعمدون أن يضعونا في حالة من التيه والضياع. كانوا يستدعونا للتحقيق في أكثر من مرة. كانوا يضغطون علينا من خلال تهديد أهلنا بالموت والقتل، وتدمير كل أملاكنا في قطاع غزة".
"للأسف تعرّضنا للقمع بشكل مشدد وكبير جدًا، قبل الافراج عنا بعدة ايام. يقول: كانت من أشد إجراءات القمع التي تعرضنا لها في سجن النقب قبل نحو ثلاثة عشر يوما من الافراج عنا".
التهديد الأخير
يوضح نضال: "أنا شخصيًا تعرّضت للاختناق أكثر من مرة بالغاز الخانق في سجن النقب في غرفة صغيرة جدًا. أيضًا بعدها أطلقوا علينا الرصاص المعدن المغلف بالمطاط. كما تعرّضت للإصابة بثلاث طلقات من الرصاص المعدن المغلف بالمطاط، وكانت قاسية جدًا وجارحة، وعانيت لأيام طويلة بسبب هذه الإصابات، كما تعرّضت لنزيف أيضًا، وكان دمي على الأرض والجدران في غرفة السجن".
ويذكر أن ضابط المخابرات هدده قبل الإفراج عنه بثلاثة أيام.
"قال لي إذا أنت عُدت للعمل مجددًا بعد الإفراج عنك ضمن هذه الصفقة فأنت لن تعود إلى السجن، بل سنرسلك إلى المقبرة مباشرة، يعني هو يهددني بشكل مباشر بالقتل، لكن أنا لا أرى أن هذا التهديد يمكن أن يمنعني من القيام بواجبي كصحفي لإبراز معاناة شعبي؛ فلذلك أنا بكل ما أملك جاهز للعمل في كل ميدان من ميادين العمل الصحفي، الذي يجب أن أكون فيه، وسوف أكون فيه بإذن الله".
كيف وجد نضال منزله ومنازل عائلته؟
عند خروجه من السجن يقول نضال عليان: "وجدت منزلي الذي كنت أسكن فيه قد تعرّض للهدم بعد فترة اعتقالي، وتعرّض للقصف بطائرة إف 16، وتم تدميره بشكل كامل، وأيضًا بيت عائلتي (والدي ووالدتي) تم تدميره بشكل كامل، كذلك الحال تم تدمير منازل كل عائلتي (أعمامي وأخوالي وكل أقاربي) تم تدميرها بشكل كامل".

