للحفاظ على معاني النصر ..
احمد يحيى الديلمي
الحقيقة أن ما يجترحه المجاهدين من بطولات في جبهات القتال من أبطال الجيش واللجان الشعبية أشياء تثلج الصدر وتجعل كل إنسان يعتز بذاته وبالوطن الذي ينتمي إليه ، خاصة ما جرى أخيراً في جبهة نهم ومأرب والجوف ، كلها انتصارات أذهلت العالم وجعلت العدو في حالة تخبط وعدم اتزان في المواقف ، بالذات بعد اسقاط طائرة التورنيدو ، فلقد وقف المحللين طويلاً أمام التحول النوعي الذي حققه المجاهدين اليمنيين ، وكانت المفاجأة أن هذا الإنجاز العظيم جاء بعد خمس سنوات من الحصار والعدوان الهمجي السافر الذي طال كل شيء حتى حليب الأطفال ، وهذا ما جعل الآخرين يدركون أهمية هذا الإنجاز و يعتبرونه تحول غير مسبوق في إطار استراتيجية الحروب ، بالمقابل هذه الانتصارات العظيمة تتطلب إشاعة المزيد من الطمأنينة وتفعيل الانتماء الصادق للوطن وترجمته على أرض الواقع في السلوك والممارسة على مستوى الحياة اليومية ، وهنا يأتي الإنجاز الآخر الأكثر أهمية والذي تمثل في الكشف عن خلايا التخريب في الجانب الأمني فلقد أحبطت مؤامرة كبيرة كانت تريد أن تربك الوضع في الداخل الوطني وتمس ثقة الحاضنة الشعبية بالمجاهدين ، لكن الكشف عن أوكار الجريمة أعاد الثقة بالنفس وبالمجاهدين وبالتالي تكاملت وتزامنت الانتصارات لتؤكد أن الموقف متزامن ومترابط ويستعد لكل طارئ في أي مستوى من المستويات ، وهذه هي آليات النصر الحقيقي التي تتكامل فيها الجهود لتمثل حاجز صد للمعتدين في جانب الإعلام والاقتصاد على ما يجري في جبهات القتال أو في نطاق التصنيع العسكري ، إلا أن الأمر بحاجة إلى اهتمام أكبر في جانب آخر يتعلق بسلوكيات غير سوية وأعمال مخالفة تسيء إلى المسيرة وتشكل عامل إحباط للمجاهدين في الجبهات .
مع أحترامنا الشديد للكثير من القيادات الإدارية إلا أنه يبدو كما يقال “أن الطبع غلب التطبع” فإذا كان النظام السابق قد تعمد وضع قيادات هزيلة بلا مهنية وبلا خبرة في مواقع المسئولية فإن هدفه كان الولاء والانقياد الساذج للأوامر الفوقية وإن تطلب الأمر إقصاء الخبرات ومن يمتلكون إرادة الفعل والقدرة على صنع القرار ، يبدو أن البعض لا يزال معجب بهذه الطريقة ويتعاطى بأسلوب “عين الرضى” وجعلها معيار لاختيار القيادات الإدارية بما تحتمه من انحياز لأصحاب الألسنة الذلقة القادرين على النفاق والتزلف وإيهام المسئول بأشياء ليست فيه تجعل الآخر أمامه خبرة نادرة وفوق كل الشبهات دون أن يعلم بأن ما قيل له ليست إلا محاولات ساذجة لاستقاطبه إلى مجاهل الغواية والسير في ركاب الانفلات الأخلاقي والسياسي ، وهو ما يؤثر سلباً على الحاضنة الشعبية كونه يستقطب مشاعر البسطاء إلى مواضع الاستهتار والتحريض على النظام القائم وتأجيج النقمة الشعبية ضده بحجة العبث والتسيب والفساد وبنفس الفجاجة تتواصل عبارات تحطيم المعنويات وتغذية الفتن على هذا الأساس والسبب أولئك القلة الذين لم يرتقوا إلى مستوى أخلاقيات المسيرة ولم يدركوا أن المهمة صعبة جداً وأن سلسلة الإخفاقات التي تستهدف الثوابت الدينية وقيم المواطنة ليست إلا مؤشرات خطيرة تعمل على زعزعة الواقع وخلخلة الأوضاع خاصة حينما تتم الاستعانة بكوادر ملوثة ضالعة في الفساد ، مع ذلك تحظى بتأييد ودعم أشخاص غير قادرين على التمييز بين الحق والباطل، وبالتالي ينحازون إلى عناصر غير سوية تمارس النصب على الشعب بأسم الشعب وتتاجر بأحلام البسطاء وتتسلى بأوجاع المكلومين وتعمل على توسيع الجروح النازفة والبعض يغشى أعينهم زهو النصر وخُيلاء النجاح فينزلقوا إلى أماكن ملوثة غير مدركين أن الوطن منهك والمواطن استبد به التعب وبحاجة إلى دعم وحالة انتشال من الواقع المزري الذي وصل إليه ، أي أن المهمة بحاجة إلى جهود كبيرة وعقول مستنيرة تعرف الحق وتنحاز إليه حتى يعود الوطن إلى مساره الطبيعي ونتجاوز كل الاخفاقات للحفاظ على الثوابت الوطنية حتى تظل قائمة ولا تتعرض للاستهانة من أحد باعتبارها ثوابت هامة تحفظ للوطن كرامته وسيادته واستقلاله ، لابد أن ندرك أن الوطن تعرض لمؤامرة خطيرة حاولت هدم الدين والسياسية والثقافة وأصبح كل شيء معرض للتلف إلا ما رحم الله ، مما أدى إلى الانتقاص من هيبة الدولة وتوفير بيئة خصبة للإفساد والابتزاز والفوضى والعشوائية في التعاطي مع قضايا الوطن والمواطن .
لابد أن نتعاطى مع الوطن برؤية متكاملة تُحيي في النفوس روح الانتماء ومعنى التضحية من أجل الوطن والتعاطي الإيجابي مع كل قضاياه للخروج من زوايا الغياب والاتكالية وتعريف كل مواطن بمعنى قيمة العمل والإنتاج والصدق في المعاملة للابتعاد عن كل أشكال الكذب والخداع وإعادة صياغة السلوكيات بأسلوب راقي يترجم معنى الانتماء الحقيقي للدين والوطن .. والله من وراء القصد ..