كاتب يمني :علي محسن حميد

لأول مرة منذ عدوان السويس عام 1956 يمارس من سُمح لهم  من العرب بالتعبير والغضب في مواجهة مع فرنسا بعد موقف الرئيس الفرنسي ماكروالمعادي للإسلام والذي عمّم ولم يُخصص وحذا حذو من يناصب العرب والإسلام وفلسطين  العداء  وينحاز لدولة الاحتلال والتوسع، الامتداد الثقافي والقمعي لعصر الاستعمار الاوربي.  فرنسا الاستعمارية الاستعلائية العنصرية ،بعضا ما ، أطلت برأسها من جديد على لسان رئيسها  بعد حادث القتل البشع والمُستنكرلأستاذ فرنسي أساء استخدام حرية التعبيروحرض عمدا طلابه على كراهية نبي ديانة أخرى وعلى ماقد ينتج عن ذلك من كراهية لأتباعه وخلق شرخ اجتماعي في المدرسة بين الطلاب الذي قد يكون من بينهم حتما مسلمين.

الأستاذ لم يراع متطلبات احترام عقيدة الآخروقتل  على يد شاب شيشاني معتوه ولد في موسكو ونشأ في باريس أي أنه إبن بيئته وثقافتها بوجهييها الفرنسي العلماني كما يحلو للفرنسيين وصف ذاتهم والسلبي شبه التمييزي الذي ربما عانى منه القاتل  كواحد من أقليات لم يعد يذكرأحد إيجابياتها ومساهماتها سواء في فرنسا أو الغرب عموما في الحرب وفي السلم  إلا القليل رغم انتمائها  إلى مستعمرات سابقة حاربت مع الدولة المستعمرة وأسهمت في انتصاراتها وخاصة في الحرب العالمية الثانية ولاتزال أسواقها مفتوحة للمنتجات والشركات الغربية وتغدق بخيراتها على الخزانة الفرنسية المليارات سنويا وتسهم في خلق الوظائف والاستقرار في فرنسا ذات الكعب العالي في شتى العلاقات وكأن الاستعمار لم يخرج من الباب إلا ليدخل من نوافذ غرف النوم .

في يناير2015 هب العرب مستنكرين ومتضامنين مع  ضحايا الاعتداء الإرهابي على صحفيي صحيفة”شارلي ابدو”  التي تسخر من كل شيء إلا الصهيونية وإسرائيل واليهود وسجل كاتب هذه السطور يومها موقفا تضامنيا في مقال بالأهرام. تبالغ فرنسا لأغراض سياسية في علمانيتها حد خلق مواقف مضادة لها في شعوب أو ثقافات لاتقف من العلمانية موقفا عدائيا. بعد أحداث 11/09 لم يقل ثنائي العدوان على العراق واحتلاله وتحويله إلى دولة فاشلة البريطاني توني بلير والامريكي جورج بوش بأن علمانية امريكا وبريطانيا مهددة وهما من دولتين علمانيتين لكنك لاتقرأ ولا تسمع هذه الكلمة من قبل نخبهما وسياسييهما وإعلامهما وإنما قالا أن  هؤلاء الإرهابيين يهددون أسلوبنا في الحياة ومنه طبقا لبلير وقتها “حرية الممارسة الجنسية” ورغم أن المنفذين عربا مسلمين فلم يتهما الإسلام ولمنفعة اقتصادية تجنبا عمدا ذكر الدولة التي أتى معظمهم منها وكأنهما تعمدا التقسيم الوظيفي بينهما وبين الإعلام الذي وجد الفرصة لنقد العرب والمسلمين وعدم بحث الأسباب ومن بينها بل على رأسها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

تحاذق الصحفي الامريكي ديفيد فريدمان وغيره بالاتفاف على هذا الموضوع واكتشفوا ببراعة غير مذهلة وغير مقنعة  أن غياب الديمقراطية والبطالة من المسببات  للعنف وللاستياء في المجتمعات العربية ولحادث 11/09 ولكنهم لم يجرؤ على الزعم بأن منفذي هجمات نيويورك وواشنطن وبنسلفينيا كانوا من المحبطين أو من الفقراء.في خدمة إسرائيل تختلق مبررات ما أنزل الله بها من سلطان وفعلا نجت إسرائيل من اللوم أو الاتهام بأن احتلالها هوالسبب لتلك الهجمات لأن جل ساسة الغرب لاولن يقبلوا بإدانة حصان طروادتهم ومولودهم التي تربى في أحضانهم وتشرب ثقافتهم الاستعمارية والاحتلالية. الغرب يحاصرنا من كل ناحية فهو لم يقل لإسرائيل يوما ما اتركي الفلسطينيين وشأنهم  ويكفيك 78% من أراضيهم وانسحبي لأن عهد الاستعمار قد ولى ولكنه يقف معها قلبا وقالبا في تفسيرها لأمنها المطلق الفريد من نوعه في عالم اليوم والذي لاتتمتع به حتى الولايات المتحدة الذي لايعيد كل الضفة والقدس إلى الفلسطينيين وكأن المعتدي عام 1967 يجب أن يكافأ. إنها لحماقة كبرى أن يعلن الرئيس الفرنسي عن عدائه ل10% من سكان فرنسا لمجرد أنهم مسلمين ويصفهم بأنهم “مجتمع مضاد” ودينهم بأنه “في أزمة”.

هل يستطيع القول بأن اليهودية في أزمة وهي ديانة دولة الاحتلال ولايمكن الفصل بينها وبينه وبعض مشاكل فرنسا والغرب ليست سوى نتيجة استمرار هذا الاحتلال الذي لابارقة أمل في إنهائه بسبب التواطؤ الغربي معه.  وهل يستطيع ماكروإدانة متطرفي اليمين الإسرائيلي المتدين الذين يرفضون حتى بقاء الفلسطينيين بينهم كمواطنين من الدرجة العاشرة ويحرمونهم مع قطعان المستوطنين من الأمان ويقطعون أشجار زيتونهم ويعطشونهم ويسومونهم سوء العذاب .لماذا لم ينتقد ماكرون الديانة اليهودية وسياسة إسرائيل التوسعية وكلاهما وجهان لعملة واحدة  أم أن ماهو مباحا له فقط هو صب جام غضبه على  الإسلام  واتهام مسلمي فرنسا بأنهم يشكلون “مجتمعا منفصلا” له قيمه المنعزلة  والمضادة لقيم الأغلبية ومن ثم فإن ولاءهم لغير فرنسا وهو مايصح قوله على يهودها وليس على المسلمين فيها ولاعلاقة لهم بوطنهم الذي افتداه بعض أبائهم وأجدادهم بالدم.

هل سأل ماكرو نفسه عن تطبيق المبدأ الثاني للثورة الفرنسية وهو المساوة  Equalityوهل جري تطبيقه إزاء مسلمي فرنسا أم أن هؤلاء لاعلاقة لهم بهم لأنهم  أقل شأنا وأمنا وملونون ومن ديانة أخرى وبالتالي لامانع من القبول الضمني بأن تصبح خياراتهم في الحياة وفي المشاركة محدودة ومحكومة.أما عن المبدأ الأول للثورة الفرنسية”الأخوة  Fraternity “فالبون شاسع والفجوة كبيرة بين حقوق  أهل الدار وبين حقوق الأغيارفي تطبيقه وفي الحياة العملية.

ثم ببساطة وبسذاجة يُلقى اللوم بتعمُد عليهم وحدهم و يُتعامل مع مشكلاتهم بمعزل عن مسؤلية المجتمع الذي يعيشون فيه وعن السلطة التي يجب عليها رعايتهم بدون تمييزلأنها المسؤلة دستوريا وأخلاقيا و”علمانيا”عن حسن أو سوء أوضاعهم وعن الخيارالضيق  لأقلية  محدودة منهم بالانعزال في مجتمع تشعر بعض شرائحه بالتميز والاستعلاء عليهم.كتب التونسي هادي يحمد مقالا في القدس العربي في 24 يونيو/ حزيران 2004 بعناون” الإسلام الفرنسي …محاولة فهم”شخص فيه المشكلة المستمرة حتى اليوم  ومما كتبه أن الرئيس ساركوزي عندماكان وزيرا للداخلية قال” لانريد إسلاما في فرنسا ولكن نريده إسلاما فرنسيا” أي فرنسة الإسلام. وفي بريطانيا طالب البعض  في نفس الفترة ب”إسلام بريطاني”.

العقلية الاستعمارية للخارجية الفرنسية:

استاءت هذه الخارجية من دعوات المقاطعة العربية للمنتجات الفرنسية في قلة من الدول العربية ووصفتها بأنه لاأساس لها! وطالبت بوقفها فورا وبالتوقف عن الهجوم على فرنسا.أليست المقاطعة سلاح تستخدمه فرنسا ضد روسياالاتحادية وتتطرف امريكا باستخدامه ضد إيران وفنزويلا وتفرط في استخدامه ضد روسيا والصين وتتضامن معها فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الاوربي . لماذا ممنوع علينا استخدام هذا السلاح رغم ضعفه ولماذا تأمرنا الخارجية الفرنسية بعدم استخدامه و”فورا”.لقد قال ماكروأن “فرنسا لن تستسلم ولن تتوقف عن استخدام الكرتون” الموجه فقط  ضد الإسلام وبدورنا علينا أن نقول بأننا لن نتوقف وحسنا قال شيخ الأزهر بأنه سيشكل مجموعة من المحامين الدوليين لمقاضاة صحيفة شارلي إبدو. هنا القضاء هو الحكم.

المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع