تقرير: نجيب هبة

من جديد يعمل ولي عهد السعودية المجرم محمد بن سلمان جاهداً على تلميع صورته أمام العالم ويحاول محو سجله الأسود الملطخ بالدماء ويبدو أن محاولاته هذه تؤتي دائماً نتائج عكسية والدليل تكرار حملات التلميع من فترة إلى أخرى.

فقد كشفت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية أن سفيرة بن سلمان في واشنطن “ريما بنت بندر آل سعود”، “تقود حملة لإعادة تأهيل صورة ولي العهد محمد بن سلمان في أميركا”.

كثيرة هي جرائم بن سلمان وأعماله اللاأخلاقية التي كشفت وجهه القبيح أمام العالم ويأتي في مقدمتها العدوان على اليمن ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي واعتقال وتعذيب المعارضين ومنهم أمراء.

الوكالة الأمريكية سلّطت الضوء على أبرز تلك الحوادث وعلى فقدان بن سلمان لحليفه المقرب دونالد ترامب كرئيس امريكي داعمٍ له بصورةٍ شخصية.. مشيرة إلى أن “جهود الضغط التي تبذلها السعودية هي محاولات لتحسين السمعة فقط”.

السعوديون والمقيمون يدفعون ثمن التلميع

وفي هذا السياق، كشفت منظمة “القسط” الحقوقية ، ومقرها في لندن ، أن “بن سلمان يفرض الضرائب على السعوديين والمقيميين بهدف استخدام عائداتها في تبييض صورته، كما يستخدم الرياضة للهدف نفسه”.

وقد ربط المتحدث باسم المنظمة عبد العزيز المؤيد ، التوجه السعودي نحو استضافة الأنشطة الرياضية بـ”اهتمامات ابن سلمان الشخصية”.. لافتًا إلى أن “الاقتصاد لا يمكن قيادته بالأوامر، بل يجب أن يكون هناك تفاعلات بين قوى معينة تنتج اقتصادات قوية”.

وبحسب تقديرات المالية السعودية، فإنها تتوقع إيرادات الضرائب لعام 2021 قد تصل إلى 257 مليار ريال، بارتفاع نسبته 30.8 في المائة مقارنة بالضرائب التي تم تحصيلها في 2020.

وتأتي هذه التوقعات نتيجة الأثر المالي لكامل العام من رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المائة، إضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية لعدد من السلع.

محاولات باسم الرياضة والترفيه

وكشفت منظمة “غرانت ليبرتي” الحقوقية غير الربحية ، ومقرها لندن ، عن قيمة المبالغ التي أهدرها ولي العهد السعودي على استضافة فعاليات رياضية في المملكة بهدف تبييض صورته.

وأوضحت المنظمة الدولية أن “بن سلمان أنفق مالا يقل عن 1.5 مليار دولار أمريكي.. مبينةً أن هذه المبالغ أنفقت على الأحداث الرياضية الدولية رفيعة المستوى”.

وبينما يسجل الاقتصاد السعودي خسائر كبيرة لعدة أسباب ، أهمها جائحة كورونا وأسعار النفط وكلفة العدوان على اليمن، ويدفع المواطن السعودي ثمناً باهظاً لهذا التدهور ، فإن بن سلمان منشغل بإنفاق المليارات بطريقة بائسة من أجل تلميع صورته ومحو آثار الدماء التي تلوث يده.

حيث أشارت المنظمة إلى أن “قيمة صفقة استضافة مدينة جدة لسباق الفورمولا 1 وصلت إلى 650 مليون دولار أميركي”.. كما كشفت مبالغ لصفقات لم تنفذ بعد بما في ذلك 200 مليون دولار لبطولة العالم في الملاكمة للوزن الثقيل، التي من المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، بمتابعة مباشرة من بن سلمان، إضافة إلى 182 مليون دولار لرعاية “ريال مدريد” من خلال مشروع القدية، وهو مشروع ضخم للسياحة والترفيه بالرياض.

شركات أميركية تتولى المهمة

ومؤخراً، كشف تقرير دولي كواليس مثيرة للمرة الأولى تتطرق لوسائل وطرق تبيض صورة بن سلمان في الغرب وإخفاء سجله الحقوقي الأسود، إذ قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن شركات علاقات أمريكية تتولى المهمة..

ونشرت الصحيفة تقريراً بعنوان “الديكتاتوريون يقمعون المعارضة والشركات الأمريكية تبيض صورهم” قالت فيه “أن تبييض بن سلمان يتزامن مع جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن للضغط على الدول لفتح حرية التعبير”.. مضيفةً “أن شركات لوبي تواصل تقديم خدماتها وأن ذلك يأتي رغم توقف عدة شركات لوبي عن تقديم الخدمات للسعودية عقب جريمة قتل جمال خاشقجي في 2018”.

ويكشف التقرير عن نيل شركات ضغط أمريكية 73 مليون دولار لصالح تمثيل المصالح السعودية.

التغطية على الأزمات السياسية

وعلى ذات الصعيد ، توقَّف الكاتب “سيباستيان بوسوا” في مقالةٍ له بمجلة “ماريان” الفرنسية عند استضافة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان سباقات رياضية مثل “فورمولا-1”.. مؤكداً أنَّه يهدف من خلال ذلك إلى تلميع صورته والتغطية على أزماته السياسية.

وتطرق “بوسوا” إلى الاستراتيجية السعودية وراء استضافة سباق الجائزة الكبرى للفورمولا-1، في الفترة الممتدة من 3 إلى 5 ديسمبر المقبل.

وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الأوروبية العربية والإرهاب والتطرف إن “سلسلة الأحداث والمسابقات العالمية التي تستقبلها السعودية عامًا بعد عام، لها رمزية عميقة لولي العهد”.

وأضاف أنَّه “بعد عدة سنوات من الركود السياسي على الصعيد الدولي يسعى بن سلمان المتورط في أزمات سياسية وإقليمية متكررة إلى تلميع صورة المملكة”.

وأوضح “بوسوا” أنّ بن سلمان “يسعى إلى جعل المملكة دولة جذابة بالنسبة للغرب المتحمسين للمسابقات الرياضية والأحداث الثقافية ، بالإضافة لإغراء العالم من خلال تقديم صورة جذابة لتمرير أجندته الخاصة، معتبرًا أنَّه من الآن فصاعدًا ستكون الفورمولا-1 أداته الجديدة”.

وبيَّن أنَّه بعد فشل السعوديين في شراء “نيوكاسل يونايتد”، رغبت الرياض في شراء نادٍ فرنسيٍ خلال العام الماضي وهو “أولمبيك مرسيليا”، ولكن دون جدوى، إلا أنَّه لم يكن لذلك تأثير كبير، لأن ولي العهد السعودي يتبع استراتيجيةً طويلة المدى، حيث يتعين عليه استعادة صورة والعمل على تحقيق أهدافه خطوة بخطوة لتجنب الفشل.

تكلفة خيالية لاتغيِّر شيئ

وتابع الكاتب إلى أنه “في الجغرافيا السياسية، يُطلق على هذه الاستراتيجية الشاملة للاستثمار في القوة الناعمة تسمية محددة وهي “التستر بالفن”، حيث تعني هذه الاستراتيجية أن الدولة تنخرط في الثقافة والرياضة من أجل إخفاء أجندتها السياسية، من خلال تعزيز “قوتها الناعمة” بواسطة الرياضة”.

ووفق المجلة ، فإن المبالغ المالية للحصول على صورة ومكانة في المشهد الثقافي العالمي غالبًا ما تكون خيالية لكنها لا تغيِّر شيئا.

ويعد فشل السعودية في شراء “نيوكاسل”، دليلًا على أنَّ بعض القادة الرياضيين يعيقون استراتيجية السعودية مترامية الأطراف.. واعتبر الكاتب أن “الأمر الوحيد المؤكد في الوقت الحالي، هو حذر المستثمرين والعملاء على حد سواء بشأن فكرة التورط في قضايا مشبوهة”.

وقال مراقبون حقوقيون أن “بن سلمان يستخدم الرياضة كمثال لأجل التبييض أو الغسيل الرياضي، ومعناه تنظيم أحداث عالمية للتغطية على الأخبار المتعلقة بالقمع”.

وفي هذا الإطار راسلت 13 منظمة حقوقية الجهة المنظمة لـ”رالي داكار” الذي نظم في السعودية، بضرورة أن يتم أخذ السجل الحقوقي للبلدان المستضيفة لتظاهرات مماثلة بعين الاعتبار.

من ناحيتها ، تحدثت إذاعة “دويتش فيلة” الألمانية عن مشاريع بيئية أعلنت في السعودية وطريقة بن سلمان في الاستفادة منهما لرفع أسهمه الخاصة.

وقالت الإذاعة أن بن سلمان أعلن عن مبادرتين تحملان اسم “مبادرة السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”، تهدفان إلى زراعة 50 مليار شجرة.

ويتزامن هذا الإعلان مع تراجع عائدات النفط في المملكة التي لم تعد لها الموارد نفسها كما كانت في السابق، فكانت النتيجة إفلاس شركات وارتفاع تكاليف الحياة وفرض ضرائب أرهقت السكان.

ويؤكد مراقبون أن إفراط محمد بن سلمان في إظهار نفسه كـ “مصلح اجتماعي – اقتصادي” هي محاولة للتغطية على الواقع الأسود لحقوق الإنسان في بلده، ومن غير المستبعد أن تكون مشاريع البيئة في هذا الصدد.

وأضافت “دويتش فيلة” أن الإصلاحات التي أعلن عنها تباعاً – اقتصادية واجتماعية – لم تصل لما هو سياسي، فلا زال نظام الحكم في المملكة بيد العائلة المالكة، كما تراجعت حقوق الإنسان، خصوصا الحق في حرية التعبير بشكل مهول، وتمّ اعتقال الكثير من النشطاء دون محاكمات، لمجرد أن رفضوا تأييد نهج بن سلمان في القطيعة مع قطر عام 2017.

وتبقى الحرب على اليمن اضافة لاغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول ابرز تلك الجرائم والمفارقة ان وثائق استخباراتية أمريكية تؤكد أن بن سلمان كان على صلة بالعملية.