اليمن أفغانستان.. أمريكا وطريق الحرير الصيني
محمد الحاضري
طفت إلى السطح في الآونة الأخيرية دعوات أمريكية للسلام في اليمن، بالتزامن مع تسارع الخروج الأمريكي من أفغانستان، فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه التصرفات الأمريكية وما علاقة هذين البلدين وسط وغرب أسيا بالصين ومشاريعها العابرة للقارات في ظل اشتداد الحرب الاقتصادية مع الصين ومحاولة تفتيت طريق الحرير الجديد.
اليمن وأفغانستان نقطتان هامتان على “الطريق والحزام” مشروع “طريق الحرير الصيني الجديد” في القرن الحادي والعشرين والتي تقوم فكرته على أساس إحياء طريق تجارت الحرير الصيني القديم الذي كان ينقل البضائع من الصين إلى أوروبا والعكس، والتي كانت اليمن على باب المندب أحد ركائزه وكذلك أفغانستان وسط أسيا التي كان يمر بها.
وبإمكانات العصر الحديث رمت الصين بثقلها نحو مشروعها العابر القارات الذي ينقسم إلى قسمين رئيسيين “الحزام والطريق”، فالحزام هو الطريق البري الذي يمتد من الصين عبر دول أسيا إلى أوروبا، وقسمه الثاني فهو الطريق عبر البحار والمحيطات وصولا إلى أوروبا أيضا والذي تشكل اليمن وباب المندب تحديدا أحد أهم ركائزه.
وفي المقابل تقف أمريكا صراحة في مواجهة هذا المشروع العملاق حماية لمصالحها، ولا تألوا جهدا في محاربة الصين من عدة مسارات سواء من خلال العقوبات، أو من خلال نشر الفوضى وتدمير البلدان التي يعبر من خلالها.
وبالعودة إلى اليمن، أظهرت واشنطن مؤخرا دعوات للسلام بعد تقدم قوات الحكومة اليمنية في صنعاء باتجاه المناطق الاستراتيجية والاقتصادية شرق البلاد تحديدا نحو مأرب، في خطوة وصفتها صنعاء بـ”الخدعة” مؤكدة أنها “ستؤدي إلى صراعات أشد وأنكا”، كوها محاولة مكشوفة لإيقاف استكمال تأمين البلاد وفرض الاستقرار فيها بعد طرد مليشيات التحالف وجماعات القاعدة وداعش التي نشرت الفوضى بشكل غير مسبوق.
ومن خلال المعطيات على الأرض يبدو أن دعوات أمريكا للسلام في حقيقتها دعوة لهدنة ليس أكثر تحاول (أمريكا) من خلاله تثبيت الوضع على الأرض كما هو لتبقى لفوضى سيدة الموقف.
فإيقاف إطلاق النار بهذه الطريقة سيبقي قوات الاحتلال الجزر والأراضي كما سيبقي حلفاء أمريكا جنوب وغرب البلاد في أهم مناطق اليمن الاستراتيجية، وللعلم هي ذات المناطق التاريخية التي كان يمر خلالها طريق الصين القديم الجديد.
على سبيل المثال قوات التحالف المدعوم أمريكيا بالإضافة إلى القاعدة وداعش لا زالت منتشرة في طريق القوافل التاريخي اليمني الذي كان يمر من “شبوة أبين البيضاء ومأرب” ومؤخرا شنت القاعدة وبمساعدة التحالف هجوما على البيضاء، لكن قوات صنعاء كسرة الهجوم وأعادت تأمين المحافظة.
وغربا لا يزال لفيف من المرتزقة وعناصر الجماعات تكفيرية وبدعم من الإمارات تسيطر على باب المندب وعدن والساحل الغربي لليمن ولا زالت الفوضى تكتنف الطريق هناك.
وبالانتقال إلى وسط أسيا أعلنت أمريكا في يوليو الحالي خروجها من أفغانستان بعد اتفاق مع طالبان وهي (أمريكا) من اجتاحت أفغانستان بزعم محاربة الجماعة التي كانت تصفها بالإرهابية قبل 20 عاما.
الانسحاب الأمريكي بهذه الطريقة سيمكن طالبان من السيطرة على أفغانستان وبالتالي انتشار الفوضى في البلاد ومن ثم انتقالها عبر الحدود إلى مثلث خصوم أمريكا في أسيا “الصين وروسيا وإيران”، ولعل “حزام الحرير” أو الطريق البري للبضائع الصينية في أسيا والذي يمر عبر أفغانستان هو المتضرر الأكبر من الفوضى التي ستحدث هناك فهي ستعيق هذا الحزام إن لم تقطعه.
وهذا ما أثار مخاوف الصين حيث قالت الخارجية الصينية إن “الولايات المتحدة تتجاهل مسؤولياتها وواجباتها من خلال سحب قواتها على عجل من أفغانستان ما يفسح المجال للفوضى والحرب في هذا البلد ودول المنطقة”.
أمام التنمر الأمريكي وتفرغها لمواجهة الصين، لا شك أن الصين تمتلك الكثير من وسائل مواجهة الخطط الأمريكية والغربية، وهي التي خبرة وتعاملت خلال العقود الماضية مع نوايا الغرب الخبيثة تجاهها ولن تقف بكين مكتوفة الأيدي متفرجة على الحبل الأمريكي وهو يلتف حول عنقها وهي التي أكد رئيسها في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي قبل أيام أن زمن التنمر على الصين قد ولى.
كاتب يمني
رأي اليوم