السياسية - تقرير || صادق سريع*

من الضعف إلى القوة، ومن المُعاقب إلى المعاقِب، ومن المحاصَر إلى المُحاصِر، ومن المضروب إلى الضارب، ومن المدافع إلى المهاجم، ومن المُستهدَف إلى المُستهدِف، ومن الباكي إلى المُبكي، بهكذا معادلات أصبح اليمن يواجه كيان "إسرائيل" وإمبراطورية الولايات المتحدة، وفق قواعد "المعاملة بالمثل"، و"الند بالند"، و"الضر بالضر"، والبادئ بالعدوان أظلم.

بعد فرضه معادلات القوة والردع وقواعد الاشتباك الجديدة، وإعادة تعريف موازين القوة لخارطة القوى في المنطقة جوّاً وبحراً أمام أعتى بحريات جيوش العالم (أمريكا، وبريطانيا، و"إسرائيل"، وأوروبا)، أصبح اليمن اليوم لاعباً قوياً في ميادين الصراع بفضل الله، ثم بقوة الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والمسيّرات المتطورة محلية الصنع.

ورداً على العدوان الأمريكي - البريطاني، الصهيوني على اليمن وغزة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية، في بيان عسكري تاريخي، أنها ستفرض حصاراً جوياً شاملاً على "إسرائيل" عبر سلسلة استهدافات لمطاراتها، أهمها مطار اللد "بن غوريون".

وأكدت، مساء الأحد 4 مايو 2025، أن فرض الحصار الجوي الشامل يأتي رداً على تصعيد "إسرائيل" وقرار توسيع العمليات العدوانية على غزة، محذّرة كافة شركات الطيران العالمية من تجاهل ما ورد في البيان، ومطالبة بإلغاء كل رحلاتها إلى مطارات الكيان؛ حفاظاً على سلامة طائراتها وعملائها.

هذا التحدي اليمني الجريء أرسل رسائل قوية بلغة البارود إلى البيت الأبيض، وأخرى سياسية وعسكرية على رؤوس الصواريخ الباليستية إلى المعقل الرئيسي للكيان في يافا "تل أبيب"، وحطت رحالها في مطار اللد "بن غوريون"، مفادها: هذه بضاعتكم الملطخة بدماء الأبرياء في غزة رُدّت إليكم.

الحدث غير المسبوق

يقول الخبير العسكري أسامة خالد: "إن وصول الصاروخ اليمني إلى مطار اللد "بن غوريون" يمثل حدثاً غير مسبوق من حيث النوعية والتوقيت والنتائج، وجاء في ذروة تفاخر حكومة "إسرائيل" بالهيمنة العسكرية من دمشق إلى صنعاء، وأن الكيان أصبح آمناً وبعيداً عن نيران الخصوم".

وأضاف لـ"الحزيرة نت": "العملية تعدّ هجمة إيذائية بمناورة بعيدة المدى، بصاروخ باليستي فرط صوتي استراتيجي، استهدف الهدف الأكثر حيوية وإستراتيجية في عمق الكيان، ونجح في ضرب مطار اللد "بن غوريون"".

وكانت القوات المسلحة اليمنية، أعلنت صباح الأحد استهداف مطار اللد "بن غوريون" بصاروخ باليستي 'فرط صوتي' نوع "حاطم" أصاب هدفه بدقة.

وأكد الإعلام العِبري أن الصاروخ اليمني تجاوز 9 طبقات متطورة للدفاع الجوي وسقط في قلب المطار، مسبباً حفرة بعُمق 30 متراً، مشيراً إلى أن الرأس الحربي للصاروخ كان كبيراً للغاية، مما تسبب في موجة انفجارات هائلة.

وكشفت قوات صنعاء عن صاروخ "حاطم" هو يمني الصنع، في سبتمبر 2022، وينتمي إلى الصواريخ الباليستية الفرط صوتية، ويتميّز بمدى طويل الفي كم وحمولة تصل إلى 500 كغم.

.. و"الاختبار الإلهي"

اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الصاروخ -الذي أُطلق من اليمن وأحدث حفرة كبيرة في محيط المطار الدولي الرئيسي لدى كيان الاحتلال- منح "أنصار الله" إنجازاً نفسياً ملحوظاً.

وقالت: "عملياً، ثبت فشل منظومات الدفاع في اعتراض الصواريخ الباليستية التي يطلقها اليمن، وأبرزها منظومة ثاد الأمريكية ومنظومتا "حيتس 2" و"حيتس 3" الإسرائيلية، التي تبلغ نسب اعتراضها نحو 90%، لأسباب تتعلق بظروف جوية أو اعتبارات استخباراتية لا تُكشف للرأي العام".

وأضافت: "اليمنيون لا يزالون قادرين على شن هجمات على "إسرائيل"، ويعود ذلك إلى طبيعة منصاتهم المتنقلة وتوزيعها الجغرافي المعقد والدعم القبلي، ما يصعّب تعقّب مصادر الإطلاق، رغم المحاولات الأمريكية لضرب مراكز التصنيع ومواقع القيادة".

وأكدت صعوبة تحقيق ردع القوات اليمنية، كون عملياتها تتم بدوافع دينية وقومية، وتعتبر المعاناة جزءاً من "الاختبار الإلهي"، والخسائر مبرراً للاستمرار والتشدد أكثر في إسناد غزة.

خلاصة تقرير "يديعوت أحرونوت": إن اليمنيون أثبتوا أن ردع الضغط العسكري يزيدهم قوة وتماسكاً بمواقفهم الداعمة لحركات المقاومة الفلسطينية ونصرة غزة.

.. وأهمية مطار اللد

وفق الخريطة التفاعلية، فإن الصاروخ اليمني انطلق من مسافة تزيد عن ألفي كيلومتر من "إسرائيل"، وبلغ هدفه في وقت 11 دقيقة، وكان بإمكان أنظمة الدفاع الجوي للكيان رصده واعتراضه، لكنه وصل إلى قلب مطار اللد "بن غوريون".

ويُعدّ المطار المنشأة الإستراتيجية الأهم للعدو، ويخدم من 20 إلى 23 مليون مسافر سنوياً، وتنطلق منه الرحلات نحو 100 وجهة عالمية.

ويتكوّن المطار من 3 مدرجات أساسية ومباني ركاب متعددة، أبرزها مبنى الركاب رقم 3 الذي سقط الصاروخ قربه، وتحديداً في منطقة وصفها الإعلام العبري بأنها حساسة وقريبة من برج المراقبة.

الأهم أن المطار يُعدّ منشأة شحن لتصدير معظم منتجات "إسرائيل" العسكرية والتقنية والصحية والثمينة، ويحتوي على منطقة صناعية ومواقف سيارات ومنشآت تابعة، ويُعتبر واجهة "إسرائيل" مع العالم.

يُشار إلى أن مطار "بن غوريون" يتحول زمن الحرب إلى منشأة عسكرية يمكن من خلالها تقديم الدعم اللوجستي العسكري، سواء عبر استقبال الشحنات أو انطلاق رحلات ذات طابع عسكري.

.. وردود أفعال شركات الطيران

عقب سقوط الصاروخ وتحذير بيان قوات صنعاء، أعلنت أكثر من 18 من كبريات شركات الطيران العالمية تعليق رحلاتها إلى "إسرائيل"، أبرزها: لوفتهانزا، الخطوط الجوية السويسرية، فيرجن أتلانتيك، التركية، النمساوية، إير أوروبا، إير إنديا، إير كندا، بروكسل إيرلاينز، وتيوس إيروايز.

كما أعلنت شركة الطيران الإيطالية "آي تي إيه" عن خطوة مماثلة، فيما تنتظر "إسرائيل" عودة شركات كبرى أخرى، مثل الخطوط الجوية الأميركية، التي ألغت رحلاتها إلى الكيان حتى سبتمبر 2025.

.. وخلاصة القول:
إن استهداف الصاروخ اليمني "حاطم" قلب مطار اللد "بن غوريون" يُمثّل تحولاً نوعياً في معادلات الصراع الإقليمي، بدلالات عسكرية وأمنية عميقة، باعتباره نقلة نوعية وإستراتيجية تُحدث تغييراً في معادلات الردع، وتكشف فشل المنظومة الدفاعية لـ"إسرائيل" أمام الخصم اليمني الذي كسر المعادلات التقليدية.