الرباعي المقاوم… شوكة في حلق الهيمنة
كيان الأسدي*
في زمنٍ تهاوت فيه أنظمة وسقطت عواصم تحت أقدام الهيمنة الأمريكية، وارتضى فيه البعض أن يكون خادمًا مطيعًا للبيت الأبيض، وقف الرباعي المقاوم متحديًا العالم بأسره، مصغّرًا دوائره الكبرى إلى طاولة تفاوضٍ غير مباشر، فرضها هو من موقع الندية والاقتدار.
رباعيٌ من نارٍ وعقيدةٍ وصلابة: الجمهورية الإسلامية في إيران، والمقاومة الإسلامية في العراق، وحزب الله في لبنان، واليمن الصامد العزيز. هذه الأضلاع الأربعة لم تُخدع ببريق الشعارات الغربية، ولم تُرهبها نيران الحصار والقصف والمؤامرات، بل رفضت الجلوس مع واشنطن – عدو الأمة الأول – لأنها تدرك أن من يحيك المؤامرات ضد الإسلام المحمدي الأصيل، لا يُؤمَن جانبه، ولا يُفرش له بساط التفاوض إلا من موقع الاشتراط، لا من موقع التبعية والانبطاح.
اليمن… الحصار والجراح والكرامة
رغم الجوع والحصار، ورغم نيران القصف والخيانة، لم ينكسر اليمن. ها هي أمريكا بكل ما تملك من ترسانة وجبروت، تأتي صاغرة إلى طاولة تفاوض غير مباشر مع صنعاء. تفاوضٌ فُرض بالميدان، وبسيف الردع اليمني، وبالطائرات المسيّرة التي تجاوزت كل الدفاعات، وضربت عمق العواصم الخليجية.
لم تطلب صنعاء ودًا ولا شفقة، بل هي التي تُملِي الشروط، وتُحدّد الوسيط، وتُرسم سقوف الحوار. اليمن، الذي أرادوا له أن يكون حديقة خلفية للهيمنة، أصبح شوكة في حلقهم، وقلعة من قلاع العزة والسيادة.
إيران… السيادة لا تُفاوض
أما الجمهورية الإسلامية في إيران، فقد سطّرت تجربة تفاوض فريدة لا مثيل لها. لم تسمح لواشنطن أبدًا بالجلوس وجهًا لوجه، بل فرضت عليها التفاوض غير المباشر حتى في أقسى اللحظات، ومضت في تطوير برنامجها النووي رغم الحصار والعقوبات.
ومع عودة ترامب إلى سدة الحكم رئيسًا للولايات المتحدة، ظنّ أنه قادر على فرض التفاوض المباشر على طهران. لكن الجمهورية الإسلامية ثبتت موقفها الراسخ، وأرغمته على التفاوض غير المباشر بوساطة عمانية، مشترطة حسن النوايا قبل أي خطوة. لم تكترث للتهديدات، ولم تنكفئ أمام الحملات، بل تعاملت مع واشنطن من موقع السيادة والاقتدار، رافضة الجلوس مع عدوٍ تلطخت يداه بدماء شعوب المنطقة.
إيران لم تساوم على كرامتها، ولم تقبل أن تتحول مفاوضاتها إلى استعراض إعلامي، بل وضعت معادلة واضحة: "لا تفاوض مباشر من دون رفع العقوبات، ولا تنازل عن ثوابتنا".
حزب الله… أن تفاوض العدو فتلك خيانة
في لبنان، لم تُسجَّل أي لحظة تواصل مباشر بين حزب الله والولايات المتحدة. الحزب رفض، مرارًا وتكرارًا، أي وساطة لفتح باب الحوار مع الأمريكي، معتبرًا أن من يحتل فلسطين ويدعم الكيان الصهيوني ويموّل الإرهاب التكفيري، لا مكان له في ساحات العز والشرف.
لقد حاولت واشنطن عبر وسطاء أوروبيين وخليجيين كسر هذا الحاجز، لكن الموقف كان حاسمًا: لا تفاوض، لا لقاء، لا مقايضة على الكرامة. حزب الله يرى أن المصافحة مع العدو الأمريكي ليست مجرد تقارب، بل اعتراف وخيانة لتاريخ الشهداء. من رفع البندقية دفاعًا عن كربلاء وغزة وبغداد، لا يمكن أن يمدّ يده لمن خطّط لذبح الأمة.
المقاومة العراقية… الإذلال بالانسحاب
في العراق، فصّلت المقاومة الإسلامية موقفها منذ اليوم الأول للاحتلال. قاومت، وواجهت، وقدّمت الشهداء، حتى أجبرت الاحتلال على الانسحاب المذل عام 2011. ثم عاد الأمريكي بخدعة "محاربة الإرهاب"، ليجد نفسه أمام معادلة جديدة: "لا تفاوض مع المحتل… لا بقاء إلا تحت نارنا".
رفضت فصائل المقاومة الجلوس معه، رغم كثرة الضغوط والإغراءات. بل بعد جريمة اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، جاء الرد من دماء الشهداء لا من غرف التفاوض، وتثبّتت معادلة الرد: "دماؤنا لا تفاوض عليها، والوجود الأمريكي إلى زوال".
في المقابل… مشهد الهوان الخليجي
في صورة موازية، يقف المعسكر الخليجي في مشهد الذل والانبطاح.
الملك السعودي واقفًا، يصفق بانبهار لترامب، حين صرّح أمامهم صراحة: "نحن نحميكم، ولولا حمايتنا لما بقيت عروشكم أسبوعًا". لم يكن ذلك تصريحًا عابرًا، بل إعلانًا رسميًا للوصاية الأمريكية، وتأكيدًا أن أنظمة الخليج لا تملك من أمرها شيئًا.
أما قطر، فقد نالها نصيبا من الابتزاز، حتى في تفاصيل القصور. وقف ترامب يتأمل الرخام قائلاً بسخرية: "هذا الرخام باهظ الثمن… ولولا نحن لما استطعتم شراءه!"، كأنما يذكّرهم أنه حتى زينتكم من عطائنا، وأن لا شيء تملكونه دون إذننا.
قمم الإذلال… وحراس القصور
السعودية، التي أُذلّت على يد المجاهدين اليمنيين، لم تجرؤ على الرد، لكنها وجدت الجرأة لتعترض في قمة خليجية على كلمة "اليمن" التي نطقها أمير الكويت دون أن يُلحقها بعبارة "الحكومة غير الشرعية"، فطلبوا تصحيحها ليرضى عنهم الملك الأعظم، ترامب!
إنه حرصٌ على الألفاظ لا يصدر إلا عن أتباع مذلولين، يخشون حتى غضب الكفيل، ولو على كلمةٍ عابرة.
والأدهى، أن هؤلاء الذين لا يعترفون بشرعية حكومة صنعاء، هلّلوا وصفقوا لاعتراف ترامب بحكومة الإرهاب بقيادة الجولاني في سوريا، تلك الجماعة التي طالما موّلتها بعض دول الخليج سرًا وعلانية.
بين نهجين لا يلتقيان
بين محورٍ يفرض الشروط من موقع السيادة، وآخرٍ يُنفّذ الأوامر من موقع الانكسار، تتجلى حقيقة المشهد.
الرباعي المقاوم لم يرفع البندقية من أجل السلطة، بل رفعها دفاعًا عن المستضعفين، عن القدس، عن الدماء الطاهرة التي روت الأرض.
أما حكّام الخليج، فمكانهم ليس على طاولات القرار، بل على أبواب قصور ترامب، حُرّاسًا مأجورين، يتباهون بما يُمنح لهم من فتات المهانة.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب