السياسية || محمد محسن الجوهري*

في سُنّة الله، ليس هناك طرف آخر غير الحق والباطل، وليس بمقدور البشر أن يستحدثوا طرفًا ثالثًا يتوسّط الفريقين دون أن يتناقض مع أحدهما، وما على الإنسان إلا أن يسخّر نفسه للحق، ما لم يفعل، فإنه تلقائيًّا يتّجه إلى الباطل ويناضل تحت رايته. كما أن التفريق بين الحق والباطل ليس بالأمر المعقّد، فلكلٍّ منهما أعلامه ورموزه ومنهاجه الواضح البيّن.

وبالنسبة لجماعة الإخوان، فهي، ومنذ يومها الأول، كرّست نفسها للدفاع عن الخط الذي يُمثّله يزيد بن معاوية، وفي هذا عداءٌ مُبطَّن للحسين عليه السلام، سبط رسول الله صلى الله عليه وآله، كما أنه تقديسٌ علنيٌّ للطغاة والطغيان. ومن الغريب أن نتوقّع من هذه الجماعة ومن حركتها أن تجلب للأمة الحرية والكرامة، فالباطل لا يؤدي إلا إلى باطل، والطغيان لا يقود إلا إلى ما هو أطغى.

وتاريخ الجماعة كفيلٌ بتأكيد ذلك، ففي مصر، وبعد ثمانية عقود من النضال والإعدامات والقتل والاعتقال، تمكّنت جماعة الإخوان من الوصول إلى السلطة، وتحديدًا في يونيو عام 2012، ولكنها سنة واحدة فقط حتى سقطوا على يد من جلبوه هم إلى السلطة، لأن في منهجهم ليس هناك ما يُفرّقون به بين الحق والباطل، فقد أقصَوا أعلام الحق منذ يومهم الأول، والطبيعي أن ينتهي نضالهم بطغيان آخر، هم من مكّنه في السلطة ومكّنه أيضًا من رقابهم.

ومن الغريب أن من يُقدّس يزيد يعود ليشتكي من طغيان السيسي، فما هذا إلا ثمرة لطغيان ذاك، ولولا بنو أميّة وإعراض الأمة عن آل محمد، ما كان الطغيان هو سيّد الموقف بالنسبة للعرب منذ غادرهم النبيّ عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

وفي سورية، ثار الإخوان على مدى عقدٍ ونيف، وقدّموا مئات الآلاف من القتلى، والملايين من المُشرَّدين، وتسبّبوا بنكبة كبرى للشعب السوري، وبمجرّد أن استقرّ لهم الأمر في دمشق، ذهبوا لمبايعة تل أبيب، وأصبحت بلاد الشام مستباحة كليًّا لحفدة القردة والخنازير. ومن المؤسف والموجع معًا أن يُشاهد أهالي الضحايا في الثورة السورية دماء أبناءهم وقد قادت البلاد إلى الخنوع والذلّة أمام من ضُرِبت عليهم الذلّة والمسكنة، وأن تذهب كل تلك الدماء من أجل أن يصل المُتصهين أحمد الشرع إلى حُكم البلاد، ويسخّر كل مواردها لخدمة بني صهيون على حساب الشعب السوري المظلوم.

ولكنها النتيجة البديهية لأي ثورة أضاعت بوصلتها من البداية، فالحسين عليه السلام لم يَثُر من أجل نفسه أو من أجل الحُكم، كما يزعم شيعة بنو أميّة، بل ثار ليجعل من نفسه عَلَمَ حقٍّ ومعيارَ صدقٍ لأي ثورةٍ عبر التاريخ، وكل ثورة ليست على منهاج الحسين فهي على منهاج يزيد، فليس بعد الحق إلا الضلال، حتى لو كانت تضحيات تلك الثورة كبيرة ومؤلمة.

إن من نعم الله علينا أن عرفنا طريق الحق، أوّلًا بالمنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم بأن جعل لذلك المنهج دُعاة لا يزيغون عنه، يكونون قادةً للأمة لتحظى بحريتها وكرامتها، حيث لا حرية ولا كرامة إلا في ظلّ القرآن وآل البيت عليهم السلام. ولذلك، وفي ثورتنا المباركة، ثورة 21 سبتمبر، لم تأتِ لحظة نندم فيها على هذا النهج أو على التضحيات التي قدّمناها فيه، فالواقع لا يصطدم بمسار الحق على الإطلاق، وكلّ يوم نزداد عزّة وكرامة بفضل الله، وبالطريق الحقّ الذي بيّنه لنا، وجعل الحسين عليه السلام رمزًا له ولثورته الخالدة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب