السياسية || محمد محسن الجوهري*

إن الإمام الحسين عليه السلام، ليس رمزاً طائفياً خاصًّا بمذهبٍ معيّن، بل هو الممثّل الرسمي للشعوب الحرّة والمضطهدة عبر الأجيال، وما حدث له يوم عاشوراء له آثاره الكارثية على العرب والأمة الإسلامية بشكلٍ عام، وحتى على سائر الأمم الأخرى، فانتصار الطغيان اليزيدي أعقبه ملكٌ عضوض حتى يومنا هذا، وتكرّست عبر الزمن العقائد الباطلة التي تُقدّس الحكّام وتجعل منهم آلهة، وتُبيح إبادة كل طرفٍ يعارض الطغاة أو يرفض الظلم.

ومن هنا تولّدت كلّ مآسي العرب قبل غيرهم من الشعوب، فهم أكثر من يرزح تحت الطغيان، ويشكو من جور الشر وأئمّته.

ولأن الطغاة لا دين لهم سوى عبادة السلطة، فقد سلّموا الأمة إلى أعدائها من اليهود مقابل أن تُسلّم لهم دنياهم وكراسيّهم، ولا يستطيع أن ينكر دور الطغاة العرب في خذلان غزة وحصارها ودعم الصهاينة المجرمين في كلّ أفعالهم بأهل غزة. فالطغيان خطره واسع وممتدّ مع الأجيال، ولا يخلو منه عصرٌ من العصور، وكان بإمكان الأمة أن تتجنّب كلّ ذلك لو أنّها اتّبعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهي تعلم أنه على الحق ولا ينطق عن الهوى، وأن تحذيره للأمة بعدم مخالفة كتاب الله وآل بيته له آثاره عليها وعلى الخلائف التي تليها، وكما أن الأمة لا تزال تشقى بذنب آدم عليه السلام، يوم خرج من الجنة بمعصيته، فإن أمة محمد شقيت من بعده كثيراً، ولا تزال، بسبب مخالفتها له عنوةً، ومن بعد أن أوضح لها كلّ السبل اللازمة لبقائها على الحق والخير الذي كانت عليه في حياته.

ومما يؤكّد مخالفة الأمة للنبي، أنها اتّجهت منذ اليوم الأول لقمع آل بيته عليهم السلام، وهذا من الحرب عليه والبُغض له، وهو امتداد للأذى القُرشي الذي عاد للواجهة من جديد، واتّجه للانتقام من آل النبي بعد أن فشلوا في الانتقام من النبي نفسه.


ولو أنهم آمنوا به فعلاً، لرعَوا حُرمته وصانوا قرابته، لكنهم احتذَوا حذو بني إسرائيل في التعامل مع أنبيائهم ومع من يأمرون بالقسط من الناس، وقد حذّرهم الرسول من ذلك وبيّن لهم السبيل حتى لا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب من الضلال والانحراف ومحاربة الدين وأهله.

ومما يؤكّد - أيضاً - أن الأمة انحرفت، أنها تستمد الكثير من ثقافتها الدينية من أهل الكتاب، وتؤمن بأنّ لهم قداسةً ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وتُطيعهم في كثير من الأمر، رغم أن الله قد حذّر من أن تلك الطاعة ستؤدّي بهم إلى الخروج عن دين الله والرِدّة عنه، وهذا ما نراه ماثلاً أمامنا.

فمن غير البَدَهي أن تقف أمة محمد، لو كانت أمّته، أمام ما يرتكبه أهل الكتاب من الإجرام بحقّ المسلمين في غزة، دون أن يُثير ذلك شيئاً من الغضب والغيرة في نفوس أبنائها، سيما وأن اليهود يُبالغون في تدنيس المقدّسات والإساءة إلى كل ما هو إسلامي في القدس وكلّ فلسطين المحتلّة، والسّكوت عن ذلك ليس من الإسلام في شيء.

إن العودة إلى الحسين عليه السلام، هي من العودة إلى الرسول والإسلام، فالحسين ثار على كفّار عصره كما فعل جدّه من قبله، ومن المودّة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نُحيي يوم عاشوراء قولاً وفعلاً على منهاج النبوة، وأن نتبرّأ إلى الله من كل أعداء الحسين، وهم ظاهرون بيننا ويجاهرون بعدائهم له، وفي ذلك العداء الكفر العَلني بكلّ ما جاء به النبي، وفي السّكوت عنهم تقديسٌ للطغيان وهَتكٌ لكلّ حُرم الله.
فعلى يد هؤلاء خسرت الأمة الإسلامية كرامتها وعزّتها، وهم امتداد لكفّار قريش، وليسوا على دين النبي وأصحابه الراشدين المُنتجبين.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب