شاهر أحمد عمير*

ما يعيشه الكيان "الإسرائيلي" اليوم ليس إلا نتيجة حتمية لمسارٍ طويل من الغطرسة والعدوان، فالمشهد الميداني في غزة ولبنان وسوريا يكشف بوضوح عمق الأزمة التي يتخبط فيها هذا الكيان، سياسيًّا وعسكريًّا وأخلاقيًّا.

فكل خرقٍ جديد، وكل قصفٍ عشوائي، وكل مجزرةٍ تُرتكب بحق الأبرياء ليست تعبيرًا عن قوةٍ بقدر ما هي مؤشرٌ على انهيار داخلي يتفاقم يومًا بعد يوم.

لقد بنى العدوّ الصهيوني كيانه على منطق القوة والعنف، معتمدًا على الدعم الأمريكي المطلق سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، حتى تحوّلت واشنطن إلى الممول الأول لكل آلة القتل التي تدمّـر غزة وتستهدف المدنيين بلا رحمة.

هذا الدعم لم يعد خفيًّا أَو دبلوماسيًّا؛ بل أصبح علنيًّا ومتبجّحًا، حَيثُ تُبرّر الجرائم في مجلس الأمن، وتُحمى (إسرائيل) من المساءلة، بينما يُعاقَب الضحايا الفلسطينيون على صمودهم ومقاومتهم.

غير أن الحقيقة التي يغفلها كثيرون هي أن ما يجري اليوم ليس حدثًا طارئًا، بل هو نتاج تراكم ارتكاب أبشع الجرائم الاستراتيجية والسياسية والأخلاقية، التي جعلت العدوّ الصهيوني يعيش حالة من التخبط والهلع الدائم.؛ إذ تتقاطع داخله هشاشة القرار العسكري مع أزماتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ تتسع يومًا بعد يوم، ما يجعل من هذا الكيان قنبلةً داخلية موقوتة.

فالعامة من مواطني الكيان "الإسرائيلي" تعيش انقساما حادًا بين تيارات متناقضة، وحكومته غارقة في صراعاتٍ شخصيةٍ وفكريةٍ تعيق أي استقرار، بينما المقاومة من حوله تتقدّم بثبات وإيمان وعزيمة.

وفي المقابل، يقف المشهد العربي الرسمي في أسوأ حالاته.

أنظمة عربية كانت تُرفع شعاراتها يومًا باسم "القضية المركزية"، فإذا بها اليوم تتسابق إلى التطبيع وتبادل الزيارات والصفقات مع القاتل نفسه، غير آبهةٍ بدماء الأطفال تحت الركام في غزة، ولا بمآسي اللاجئين الذين هجّرهم الاحتلال منذ عقود.

هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي للنظام العربي الرسمي شكّل غطاءً إضافيًّا للعدو، الذي وجد في صمتهم ضوءًا أخضر لمزيدٍ من المجازر.

ورغم هذا التخاذل، يبرز الموقف اليمني كاستثناء مشرّفٍ في زمن الانبطاح.

فاليمن، بقيادة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، اتخذ موقفًا مبدئيًّا ثابتًا في نصرة فلسطين والمقاومة اللبنانية، موقفًا ليس شعاراتيًّا أَو دبلوماسيًّا، بل ميدانيًّا وروحيًّا وإعلاميًّا.

لقد تحوّلت نصرة اليمن لفلسطين من مُجَـرّد موقفٍ عاطفي إلى عقيدةٍ إيمانيةٍ ومبدأٍ وطني، لأن اليمنيين يدركون أن الدفاع عن القدس هو دفاع عن الكرامة العربية والإسلامية، وأن مواجهة العدوّ الصهيوني واجبٌ لا يسقط بالتقادم.

وفي حين أدار بعض العرب ظهورهم لغزة، كانت صنعاء تُرسل رسائلها الصادقة بأن الأُمَّــة لا تزال بخير، وأن هناك من يحمل راية المبدأ والإيمان في وجه الغطرسة الصهيونية والتواطؤ الأمريكي.

فاليمن اليوم لا يقف مع المقاومة بالكلمة فحسب، بل بالموقف والروح والإرادَة، مؤكّـدًا أن العزة لا تُشترى، وأن الكرامة لا تُساوم عليها الشعوب الحرة.

إن الكيان الإسرائيلي اليوم يسير بخطى متسارعة نحو الهاوية، ليس فقط تحت ضربات المقاومة وصمود الشعوب، بل لأن بنيانه قام على الظلم والدم، وكل كيانٍ كهذا مصيره الزوال.

ولعل ما نشهده اليوم من ارتباك في قراراته، وتخبط في مواقفه، وانكشافٍ لأكاذيبه أمام العالم، يؤكّـد أن لحظة الحقيقة تقترب، وأن المقاومة – بدعم الشعوب الحرة – تكتب فجر النصر الآتي.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* موقع انصار الله