المؤتمر العلمي الأول للشباب بالحديدة.. قراءة في التوصيات وآفاق التمكين والهوية الإيمانية
السياسية : تقرير ||جميل القشم ||
قدم المؤتمر العلمي الأول للشباب في محافظة الحديدة صورة مركزة عن الحراك المعرفي والشبابي في البلاد، وهو يفتح ملف الهوية الإيمانية والتنمية من زاوية دور الشباب وموقعهم في مشروع البناء الوطني، عبر نقاشات وأوراق بحثية قاربت قضايا الجيل الجديد بلغة علمية ومنهجية.
المؤتمر الذي عُقد في مديرية الضحي بتنظيم من جمعية الشباب التنموية وبالشراكة مع جامعة الحديدة، مثّل خطوة نوعية باتجاه التعامل مع قضايا الشباب من بوابة البحث العلمي، وكرس مساحة تلاقت فيها رؤى الأساتذة والباحثين مع تجارب الميدان، بما يمنح العمل الشبابي بُعداً مؤسسياً يتجاوز الأنشطة الروتينية إلى مسار يستند إلى الدراسة والتخطيط.
المؤتمر جاء في مرحلة استثنائية تمر بها البلاد، تتداخل فيها آثار العدوان والحصار مع تحديات اقتصادية واجتماعية وإعلامية متسارعة، بما أضفى على هذا الحدث العلمي دلالات عميقة مرتبطة بخيار التعويل على وعي الشباب وطاقاتهم، وفتح المجال أمامهم للإسهام في رسم مسار جديد للبناء وإعادة النهوض.
وحمل المؤتمر عنواناً واسعاً يربط الهوية الإيمانية بمسار التنمية الشاملة، وجمعت جلساته العلمية بين التحليل الفكري والقراءة الواقعية لواقع الشباب، عبر أوراق بحثية سعت إلى بلورة رؤية متكاملة لدور الجيل الجديد في المشروع الوطني، من زاوية رسالية وتنموية في آن واحد.
كما حمل المؤتمر في جلساته محورا جامعا يربط الهوية الإيمانية بمسار التنمية، حيث تناولت العروض البحثية والنقاشات المفتوحة هموم الشباب وتطلعاتهم، وسعت إلى بناء وعي معرفي متين يواكب التحولات الراهنة، ويستند إلى منظومة قيم قرآنية وأصيلة تعزز الثبات والمسؤولية وروح المبادرة في الأوساط الشبابية.
وتركزت محاور المؤتمر حول أربعة مسارات رئيسية شملت الدور الرسالي للشباب في الإسلام، والصعوبات والتحديات التي تعترضهم على الصعيدين الاجتماعي والإعلامي، ومحور الشباب عماد التنمية والبناء والتغيير، إضافة إلى محور مشاريع التخرج والنماذج الريادية التي تقدّم حلولاً عملية لقضايا البطالة وتحسين سبل العيش في المجتمعات المحلية.
خمسة وثلاثون بحثاً علمياً شكلت عموداً فقرياً لبرنامج المؤتمر، وتوزعت موضوعاتها بين قيادة مبادرات العمل الطوعي، وتحديات التنمية في اليمن، والوعي القانوني وأثره في السلم الاجتماعي، ودور ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر في ترسيخ الثقافة القرآنية، إلى جانب دراسات معمّقة في قضايا الهوية في الفضاء الإعلامي، والحرب الناعمة، والتمكين الاجتماعي للشباب.
وبرزت في الجلسات أوراق بحثية تناولت الهوية الإيمانية للشباب اليمني من زوايا فكرية وتربوية وإعلامية، واستندت إلى خطابات السيد القائد ورؤيته في بناء وعي قرآني أصيل، بما يرسخ الانتماء ويدفع الشباب إلى تحمّل مسؤولية النهوض بالمجتمع، ومواجهة محاولات تفريغ الهوية من مضمونها وإضعاف حضورها في الواقع اليومي.
إلى جانب ذلك، حضر البعد الاقتصادي بقوة في عدد من الأبحاث التي درست ريادة الأعمال والاقتصاد الدائري، ودور الشباب في المجتمعات الساحلية والزراعية، ومشاركتهم في صياغة السياسات الاقتصادية، في اتجاه يربط بين المعرفة الأكاديمية والاحتياجات التنموية الميدانية، ويفتح آفاقاً جديدة لتحويل المبادرات الشبابية إلى مشروعات إنتاجية متنامية.
رئيس جمعية الشباب التنموية فاضل الضياني أوضح أن المؤتمر يمثل منصة عملية لترجمة الاهتمام بقضايا الشباب إلى برامج واضحة المعالم، مشيراً إلى أن الجمعية نسقت مع جامعة الحديدة لبناء رؤية تجعل من البحوث المقدمة قاعدة يُستند إليها في إعداد الخطط والبرامج المتعلقة بالشباب على مستوى المحافظة وخارجها.
وذكر أن اللجنة العلمية للمؤتمر اعتمدت معايير دقيقة لتحكيم الأبحاث واختيار المشاريع النموذجية، بما يضمن جودة المحتوى وارتباطه المباشر بحاجات المجتمع، موضحاً أن عدداً من الأوراق المقدمة تضمن مبادرات عملية في مجالات العمل الطوعي والتمكين الاقتصادي والتأهيل المعرفي والإعلامي للشباب، وقابلة للتحويل إلى برامج تنفيذية بمساندة الجهات المعنية.
وأشار الضياني إلى أن جمعية الشباب التنموية تتجه، بالشراكة مع الجامعة والجهات ذات العلاقة، إلى ترجمة مخرجات المؤتمر عبر إنشاء قاعدة بيانات للباحثين الشباب، وبناء شبكة تواصل بين المبادرات الشبابية في المديريات، وإطلاق مسار تراكمي لمتابعة التوصيات وتحويلها إلى خطط وبرامج عملية، بما يعزز حضور الشباب في المشهد العام شريكاً أساسياً في مشروع البناء الوطني.
من جهته أكد رئيس جامعة الحديدة الدكتور محمد الأهدل أن الجامعة تضع الشباب في صدارة رسالتها العلمية والمجتمعية، موضحاً أن الشراكة مع جمعية الشباب التنموية في تنظيم المؤتمر تعبر عن توجه جاد للاقتراب من قضايا الجيل الجديد، ورعاية مواهبه البحثية، وربط النشاط العلمي بحاجات المجتمع في المحافظة ومختلف المديريات.
ولفت إلى أن الجامعة تنظر إلى المؤتمر بوصفه خطوة تأسيسية لمسار من العمل المشترك، يتيح تحويل مخرجات البحوث ومشاريع التخرج إلى مبادرات مجتمعية وتنموية، عبر برامج تدريب وبناء قدرات وتنسيق مع الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، بما يعزّز دور الجامعة كحاضنة لطاقات الطلاب والباحثين.
وعلى مستوى التوصيات، برزت دعوة المشاركين إلى ترسيخ طابع مؤسسي للمؤتمر، عبر اعتماده تقليداً علمياً سنوياً يتابع تطورات قضايا الشباب، وإطلاق مركز دراسات أو مرصد متخصص ببحوث الشباب، يتولى جمع البيانات وتحليلها وتقديم مقترحات عملية لصانع القرار، مع إدراج نتائج الأبحاث ضمن رؤية وطنية شاملة لنهضة الجيل الجديد.
وركزت التوصيات على مسار التمكين وبناء القدرات، من خلال تبني برامج نوعية للتدريب والتأهيل في مجالات الإدارة وريادة الأعمال والمهارات الرقمية، وإطلاق حاضنات ومسرّعات لمشاريع الشباب، وتعزيز الشراكة مع القطاعين العام والخاص لتمويل المبادرات المبتكرة، وتهيئة بيئة تشريعية وتنظيمية داعمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يقودها خريجون وباحثون شباب.
وتوقفت التوصيات أمام البعد الثقافي والإعلامي لقضايا الشباب، داعية إلى إنتاج خطاب إعلامي مسؤول يواكب وعي الجيل الجديد ويحصنه من أدوات الحرب الناعمة، وإدماج موضوعات الهوية الإيمانية في الأنشطة الطلابية والبرامج الجامعية، وتوسيع المنصات الشبابية المعرفية، وتفعيل دور الشباب في الإرشاد المجتمعي والعمل التطوعي المنظّم.
وتشير مضامين التمكين الفكري في البيان الختامي إلى توجه واع نحو تحويل الهوية الإيمانية إلى برامج عملية، عبر مراجعة المناهج التعليمية وتطويرها على نحو يعمق الفهم الصحيح للدين ويغرس قيم العمل والإخلاص في وعي الشباب.
ويضع المؤتمر في هذا المحور أهمية خاصة للبرامج التوعوية والمنصات الإلكترونية الموجهة للشباب، بما تسهم به من تحصين فكري وأخلاقي وقيمي، واستثمار أوقات الفراغ في أنشطة تعليمية وتدريبية تعزز ارتباط الجيل الجديد بالمعرفة والرسالة.
وفي محور التمكين العلمي والمهاري ترسم التوصيات ملامح جيل شاب أكثر حضوراً في مجالات العلم الحديثة، من خلال تشجيع التخصص في الطب والتقنية والذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات والاقتصاد وغيرها من التخصصات الحيوية التي تحتاجها البلاد.
وتتقدم فكرة إنشاء مراكز أبحاث علمية تطبيقية ومراكز للتعليم المستمر والمعاهد الفنية والتقنية كخيار عملي لربط الجامعة بسوق العمل، وفتح مسارات متدرجة أمام الشباب لاكتساب المهارات وتحديث خبراتهم بما ينسجم مع متطلبات التنمية.
أما في جانب التمكين الاقتصادي فتظهر التوصيات كإطار أولي لخريطة عمل تستهدف معالجة البطالة وتوسيع فرص العيش الكريم، عبر تطوير برامج وطنية تستفيد من شراكات القطاع الخاص وتجارب التمويل الصغير في دعم مشاريع الشباب والأسر المنتجة.
وتكتسب الدعوة إلى توجيه جزء من رأس المال الوطني لدعم المشاريع الزراعية والسمكية وتنمية الثروة الحيوانية، إلى جانب إنشاء حاضنات أعمال ومسرّعات للمبادرات الريادية وتعميم برامج الثقافة المالية، بُعداً تنموياً يربط طاقات الشباب بدورة الإنتاج في الريف والساحل والمدن.
ويمتد أثر التمكين الاجتماعي في وثيقة المؤتمر إلى توسيع دائرة مشاركة الشباب في مختلف مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم للبرامج التنموية، بما يعزز مهاراتهم القيادية ويكرس حضورهم شريكاً رئيسياً في إدارة الشأن المحلي والوطني.
وتتلاقى هذه الرؤية مع تأكيد المشاركين استمرار انعقاد المؤتمر سنوياً، وترسيخ الشراكات بين الجامعة والمجتمع، وتجديد الموقف الداعم للشعب الفلسطيني والدعوة إلى الالتحاق بدورات طوفان الأقصى، في مسار يبني شخصية شبابية راسخة في هويتها وحاضرة في ميادين التنمية والمقاومة.
وجسد المؤتمر العلمي الأول للشباب بالحديدة، من خلال ما شهدته جلساته وما أفرزته أبحاثه وتوصياته، نموذجاً لتوجه يستثمر في وعي الشباب وطاقاتهم، ويعزز حضورهم كشريك أساسي في مشروع البناء الوطني، في مسار يربط بين الهوية الإيمانية والبحث العلمي والتنمية، ويستند إلى رؤية تستشرف مستقبلاً أكثر استقراراً وعدالة للوطن وأبنائه.

