السياسية: تقرير//

في خطوة أثارت صدمة واسعة في الأوساط العربية والفلسطينية، ظهرت الإعلامية الصهيونية إيميلي أوستن—إحدى أبرز وجوه الدعاية الإسرائيلية المتطرفة—داخل العاصمة السعودية الرياض، كمراسلة لمنصة DAZN خلال فعاليات موسم الرياض. ورغم غياب أي إعلان رسمي سعودي حول هذه المشاركة، فإن منح منصتها حقوق التغطية والتيسيرات اللوجستية اللازمة كان رسالة سياسية صريحة: الرياض باتت منفتحة على الحضور الإسرائيلي، إعلاميًا وثقافيًا، بل وبشكل علني.
هذا التطور ليس مجرد تفصيل عابر، بل يمثل تحولًا عميقًا في السياسة السعودية تجاه إسرائيل، انتقالًا من التطبيع تحت الطاولة إلى التطبيع فوق الطاولة، حتى وإن حاولت المملكة إبقاء هذا التحول تحت غطاء الإنكار أو “الدعم اللفظي للقضية الفلسطينية”.
إيميلي أوستن ليست صحفية رياضية محايدة. هي أحد أشهر الأصوات الدعائية الإسرائيلية في الولايات المتحدة، تحوّلت منذ اندلاع حرب غزة إلى واجهة تروّج لروايات الاحتلال، تبرّر القصف وتحرض على المدنيين الفلسطينيين، وتدعم علنًا القوات الإسرائيلية في هجماتها.



ظهورها في الرياض بهذا السياق هو شرعنة سعودية غير مباشرة لأصوات تحرّض على الإبادة، ورسالة إلى واشنطن وإلى اللوبي الصهيوني بأن السعودية قادرة على الذهاب بعيدًا في “التطبيع العملي”، حتى لو لم تُوقّع الاتفاق رسميًا بعد.

المفارقة أن أوستن نفسها كانت جزءًا من ماكينة إعلامية تبرر القتل في غزة، ثم تُستقبل اليوم في بلد يعتبر نفسه “قائد العالم الإسلامي”.

إن مجرد السماح لهذه الشخصية بدخول المملكة والعمل من داخلها لا يمكن أن يحدث دون موافقة أمنية وسياسية، وهو ما يعني أن التطبيع الإعلامي أصبح واقعًا قائمًا، مهما حاولت الرياض إنكاره.

DAZN.. بوابة سعودية لمالٍ صهيوني ونفوذٍ إعلامي

منصة DAZN التي تعمل لصالحها أوستن ليست منصة رياضية بريئة. هي شركة ضخمة يملكها الملياردير اليهودي البريطاني – الأمريكي لين بلافاتنيك، أحد أبرز الداعمين للمشاريع الإعلامية المؤيدة لإسرائيل، ولديه شبكة علاقات واسعة في الشرق الأوسط، بينها علاقة مع تركي آل الشيخ.

وبلافاتنيك ليس مجرد رجل أعمال؛ إنه فاعل مؤثر في دوائر الضغط السياسي داخل واشنطن، وواحد من أهم الداعمين للصهيونية الثقافية والإعلامية. ومع ذلك، أصبحت منصته اليوم شريكًا تجاريًا مفضّلًا في موسم الرياض.

السؤال الذي لا يمكن تجاهله: كيف أصبحت الشركات المرتبطة بداعمين مباشرين لإسرائيل تعمل بهذه الراحـة في بلد كان يرفض مجرد ذكر كلمة “تطبيع”؟

إن الترحيب بمال “إسرائيلي الهوى” لم يعد قرارًا اقتصاديًا بقدر ما هو خيار سياسي محسوب، يعكس أن السعودية تبحث عن النفوذ الأميركي عبر البوابة الأكثر تأثيرًا في واشنطن: البوابة الإسرائيلية.

من الكواليس إلى العلن.. الرياض تغيّر قواعد اللعبة

خلال العامين الماضيين، تحركت الرياض بخطوات محسوبة نحو التطبيع:

  • فتح الأجواء الإسرائيلية غير المباشر في رحلات محددة.
  • التنسيق السياسي مع إدارة بايدن للحصول على “صفقة أمنية”.
  • دخول صحفيين ومنصات تمثل الخطاب الإسرائيلي بغطاءٍ رياضي أو ثقافي.
  • تصريحات سعودية أكثر مرونة حول التطبيع، وربطها فقط بـ “تحسين” الوضع الفلسطيني وليس حسمه.
ومع حضور أوستن إلى الرياض، يمكن القول إن التطبيع الإعلامي أصبح واقعًا، حتى قبل التوقيع الرسمي.

فالرياض لم تعد مقتصرة على استضافة فعاليات عالمية “محايدة”، بل أصبحت تسمح بدخول شخصيات تروّج للرواية الإسرائيلية بكامل وضوحها وعدوانيتها.

ازدواجية الخطاب السعودي.. دعم لفظي وغضّ بصر عملي

في الإعلام الرسمي وعلى المنابر الدبلوماسية، تقول السعودية إنها:

  • تدافع عن الحقوق الفلسطينية
  • ترفض التطبيع دون “حل شامل”
  • تضغط لوقف الحرب في غزة
ولكن على الأرض، يحدث العكس تمامًا:

  • إدخال شخصيات صهيونية إلى الرياض
  • فتح المجال أمام منصات إعلامية مرتبطة بداعمي إسرائيل
  • بناء علاقات اقتصادية مع رجال أعمال مؤثرين في اللوبي الصهيوني
  • منح تغطيات واسعة لفعاليات إعلامية ورياضية يديرها شركاء إسرائيليون أو مؤيدون لهم
هذه الازدواجية باتت مكشوفة، خصوصًا في وقت يتابع فيه العالم مشاهد المجازر والدمار في غزة.

كيف يمكن للسعودية أن تعلن دعم فلسطين، وفي الوقت نفسه تستقبل أدوات دعاية تبرّر قتل الفلسطينيين؟

تطبيع مدفوع بالسياسة.. لا بالمصالح فقط

التحليل السياسي يشير إلى أن هذا الاندفاع السعودي نحو التطبيع العلني له دوافع متشابكة:

  1. الحصول على الدعم الأمريكي لاتفاق دفاعي كبير
    تريد السعودية ضمانات أمنية شبيهة بما حصلت عليه دول حليفة أخرى.
  2. تحسين صورتها في واشنطن
    حيث يعتبر الصهاينة أكبر قوة ضغط سياسي في الولايات المتحدة.
  3. تعزيز مشروع “رؤية 2030” عبر الرياضة والترفيه
    ويأتي ذلك بالشراكة مع شركات يملكها أو يدعمها رجال أعمال موالون لإسرائيل.
  4. إعادة رسم موقع السعودية الإقليمي
    من بوابة الانفتاح على إسرائيل كقوة إقليمية صاعدة بأعين الغرب.
وفي هذا السياق، تصبح القضية الفلسطينية مجرد ورقة مساومة وليست مبدأ ثابتًا.

خاتمة.. الرياض تفتح الباب، والرسالة واضحة

ظهور إيميلي أوستن في الرياض ليس حادثًا تقنيًا ولا “تفويجًا إعلاميًا”، بل علامة سياسية صريحة على أن السعودية حسمت اتجاهها الاستراتيجي:
التطبيع أصبح أمرًا واقعًا، ينتظر فقط الإعلان الرسمي.

والأخطر من ذلك أن هذا التطبيع يتم في لحظة تاريخية تُرتكب فيها أبشع جرائم الاحتلال في غزة، مما يجعل هذا الاندفاع ليس فقط تطبيعًا سياسيًا، بل تطبيعًا مع الإبادة ذاتها.

السؤال الذي يبقى هو:
هل تدفع السعودية هذا الثمن طوعًا، أم هو ثمن تفرضه واشنطن؟

وفي كلتا الحالتين، فإن المشهد يوضح أن القضية الفلسطينية لم تعد في صدارة الاهتمام السعودي، بل أصبحت جزءًا من معادلة سياسية أكبر، عنوانها الحقيقي:
التقارب مع إسرائيل بأي طريقة، ولو على حساب الدم الفلسطيني.

* * المادة نقلت حرفياً من موقع "تطبيع ميتر"