محاولات لإنعاش الاقتصاد اللبناني وحراك في الشارع
السياسية:
نجيب هبة
يعيش لبنان أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة لم يشهدها منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 وصلت به إلى مرحلة الانهيار حيث أصبح أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وانخفضت القيمة الشرائية للعملة الوطنية بنسبة 170 % وزاد سعر صرف الدولار على 4500 ليرة لبنانية وهو ما أدى إلى زيادة الأسعار بشكل فاق كل التوقعات.
مؤشرات مقلقة للانهيار تدل على عمق الأزمة الاقتصادية في لبنان حيث أكد وزير المال اللبناني غازي وزني أن الانكماش الاقتصادي يقارب 13% ومعدل التضخم تعدى 50%، فيما تدهور سعر صرف الليرة كثيراً وسط شلل تام في القطاع المصرفي وعجز مرتفع في الموازنة العامة. واقع أدى، حسب الوزير، إلى تزايد معدلات الفقر لتتجاوز 45% من المواطنين مع صعود نسبة البطالة إلى أكثر من 35%.
كما تراجعت قيمة رواتب العمال الذين يتلقون رواتبهم بالليرة إلى أقل من النصف وبالتالي قدرتهم الشرائية. واستغنت 30 % من المؤسسات عن عمالها فيما خفضت نحو 11 % منها عددهم.
وبحسب استطلاع أجراه المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، حول تداعيات الأزمة المالية والإغلاق بسبب فيروس كورونا فإن أكثر من 33 % من العاملين في القطاع الخاص توقفت رواتبهم بالكامل و35 % خُفضت رواتبهم.
هذا الوضع أدى إلى تراشق اتهامات بين الطبقة السياسية وألقى كثير من السياسيين التهمة على حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بما آلت إليه الأوضاع لاسيما أنه كان على مدى الأعوام القليلة الماضية يطمئن المواطنين بأن “الليرة بخير”.
بينما أشار تقرير لبي بي سي أن دراسة لجمعية المصارف عام 2016، خلصت إلى أن سعر الصرف سيصل إلى 5638 ليرة مقابل الدولار عام 2020.
لكن أصواتاً أخرى ترى أن سلامة ليس بمفرده المسؤول عن انهيار العملة الوطنية بل كل الطبقة السياسية شريكة فيها.
وبينما أبدى المودعون قلقهم على أموالهم في البنوك .. قال حاكم مصرف لبنان مؤخراً إن ودائع اللبنانيين موجودة ويتم استعمالها في القطاع المصرفي.
الحكومة من ناحيتها حاولت انقاذ البلاد وأقرّت خطة إصلاحية وصفها الرئيس اللبناني ميشيل عون بـ “التاريخية”، وتأمل من خلالها في الحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي لمساعدة البلاد في الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي المتسارع وتهدف الحكومة إلى الحصول على دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار.
واعتبر الرئيس عون أن دعم صندوق النقد الدولي هو “ممر إلزامي” لتعافي البلاد اقتصاديا في حال “أحسنا التفاوض” وتطبيق خطة الإصلاح التي اقترحتها الحكومة والتي تلاقي تحفظات في بعض بنودها من قوى المعارضة.
ونقلت وكالة سبوتنيك عن عون قوله في كلمة ألقاها خلال اجتماع دعا إليه رؤساء الكتل البرلمانية لإطلاعهم على مضمون الخطة، “طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي هو الممر الإلزامي للتعافي إن أحسنا التفاوض والتزمنا الإصلاح الذي ينشده شعبنا من دون أي إملاء أو وصاية”. ورأى أنه بذلك “نضع حدا لاستنفاد الاحتياطات الخارجية ونحمي أموال المودعين ونحاول احتواء عجز الموازنة ومعالجة تدنّي المستوى المعيشي”.
وشدّد عون على أن “الإنقاذ الذي نسعى إليه ليس مسؤولية طرف واحد أو جهة سياسية واحدة أو سلطة واحدة”.. مؤكدا أن “الخروج من النفق المظلم الذي نعبر فيه، هو مسؤولية الجميع”.
وتقترح الخطة التقشفية الممتدة على خمس سنوات إصلاحات على مستويات عدة بينها السياسة المالية وميزان المدفوعات والبنى التحتية، وإعادة هيكلة للديون والمصارف. إلا أن ما يمكن أن يؤدي إلى تصادم هذه الخطة مع تطلعات الشعب هو تضمنها إجراءات موجعة للمواطنين مباشرة مثل تجميد التوظيف في القطاع العام وزيادة تعرفة الكهرباء وضرائب أخرى.
وقد أبدت جهات عدة بينها جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية وأخرى سياسية اعتراضها على الخطة.. معتبرة أنها تحتاج إلى مشاورات أوسع.
رئيس الحكومة حسان دياب من جانبه قال في كلمة ألقاها خلال الاجتماع “ما نطرحه ليس كتابا منزلا وهو قابل للتطوير”.. معتبرا أنّ “الخطة ليست ملكا لحكومة أو حكم، بل هي برنامج عمل للدولة هدفه عبور لبنان مرحلة صعبة”.
من ناحية ثانية تحدثت صحيفة الأخبار اللبنانية عن انطلاق أولى المحادثات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي من أجل حصول لبنان على قرض عاجل من مساهماته بصندوق النقد والتي تبلغ 862 مليوناً و500 ألف دولار أميركي.
وأضافت أن هذا القرض “قيد الدراسة”، لا علاقة له بالخطة المالية والاقتصادية التي وضعتها الحكومة وعلى أساسها طلبت المساعدة من صندوق النقد. بل يدخل تحت باب “المساعدات العاجلة” التي قدّمها الصندوق إلى عدد من الدول في مواجهة جائحة كورونا من “إدارة التمويل السريع” المخصّصة للمساعدات العاجلة.
كما يعد توجه الحكومة لتحرير السعر الرسمي لصرف الليرة تدريجياً جزءا من الحلول التي تسعى إليها ومتطلبات صندوق النقد فقد أكد هذا التوجه وزير المال اللبناني غازي وزني ولكنه شدد على إن تحرير سعر صرف الليرة قبل استعادة الثقة وتحصين المناخ الاقتصادي والمالي والحصول على دعم صندوق النقد الدولي والدول المانحة سيؤدي الى فلتان شامل لأسعار السلع وتدهور كبير لسعر صرف الليرة كما يؤدي الى تعثر كبير للمؤسسات المقترضة بالدولار.
حراك الشارع
المظاهرات التي انطلقت في 17 اكتوبر الماضي، كان الوضع الاقتصادي المتدهور واحدا من أهم أسبابها وقد توقفت بسبب جائحة كورونا ولكن يبدو اليوم أنها ستعود بقوة بسبب شعور المواطن بفقدان أسباب العيش الكريم.
حيث اشتعل الشارع مجدداً في أكثر من منطقة وتركزت الاحتجاجات في مدينة طرابلس شمالا، حيث قتل الشاب فواز السمان، 26 عاماً، برصاص الجيش بعد اشتباكات وقعت مع المتظاهرين أدت إلى سقوط جرحى بين الطرفين. وشهدت مدينة صيدا القاء قنابل مولوتوف على فرع المصرف المركزي هناك كما حطّم محتجون واجهة جمعية المصارف في بيروت.
وقالت الناشطة حلا عيتاني حول مشاركة الأحزاب بالحراك، إن “مطالب الثورة تختلف عن مطالب الأحزاب. هدفهم سياسي بامتياز يخدم بقاءهم ضمن لعبة المحاصصة. أما هدفنا فهو إلغاء هذه الأحزاب المسيطرة على مقدرات البلد”.
إن ما يجري اليوم في لبنان يعد تهديدا للاستقرار السياسي النسبي وللأمن الاجتماعي فإذا لم تتمكن المحاولات الانقاذية من إعادة إيقاف البلاد على قدمها فما يبدو في الأفق هو عدم القدرة على الخروج من النفق المظلم وتحول لبنان إلى دولة فاشلة بامتياز.
ونقلت بي بي سي عن ربيع بركات، الأستاذ في الجامعة الأمريكية ببيروت قوله أن القوى السياسية باتت مقتنعة أنه لا مفر من دفع الثمن وهو ما تفرضه الأزمة الاقتصادية، لكن المسألة تتعلق بكيفية توزيع الأكلاف.
ويتفق محللون على أن تظاهرات ما بعد كورونا لن تكون كما قبلها فسقف المطالب ارتفع وربما لن تقف حدوده عند حاكم مصرف لبنان المركزي أو رئيس الحكومة بل قد ترفض النظام السياسي برمته والمطالبة بإعادة هيكلة مفاصل الدولة ومؤسساتها كافة.
ان تحول المظاهرات الأخيرة نحو العنف وحالة الانفجار والفوضى التي طالت المصارف والمؤسسات هو حراك مخالف لما عهده العالم عن طبيعة الشعب اللبناني المثقف والمسالم ولكنه في المقابل مؤشر على ما آلت إليه الأوضاع التي إذا لم يتم تداركها بشكل عاجل وصحيح فإن المخاوف تبقى قائمة من انفجار أشد يؤدي بالبلد إلى مالا يحمد عقباه.