السياسية : تقرير/ مرزاح العسل :

تتجه دول العالم وخصوصا الدول الأوروبية نحو تخفيف إجراءات العزل الصحي التي فرضتها على سكانها للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” بقرارات جديدة يفترض تطبيقها هذا الأسبوع في أكثر من 15 بلداً بينها إيطاليا والتي تخضع لحجر صحي منذ شهرين، وسط مخاوف من موجة ثانية لتفشي الوباء.

وأودى وباء كورونا المستجد بحياة أكثر من 284 ألف شخص حول العالم منذ ظهوره في ديسمبر بالصين، فيما تجاوزت حصيلة الإصابات حاجز الأربعة ملايين شخصاً.. 85 بالمائة منهم في أوروبا والولايات المتحدة، وفقاً لمنصة “وورلدوميتر” الدولية المتخصصة في الإحصائيات.

وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم من حيث عدد حالات الإصابة والوفاة، تليها من حيث الإصابات إسبانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وروسيا وفرنسا وألمانيا والبرازيل وتركيا وإيران والصين.

وتدخل أوروبا وإيطاليا خصوصاً أسبوعاً حاسماً من رفع العزل المفروض لاحتواء الوباء عن ملايين السكان، حيث يستعيد مواطنو العديد من الدول حرية جزئية مع رفع الكثير من القيود المفروضة لاحتواء تفشي فيروس كورونا، بينما تمدد دول أخرى إجراءات العزل خشية من موجة ثانية لتفشي الفيروس.

الصحة العالمية تحذر من عودة الوباء:

وفي حين بدأت دول بتخفيف إجراءات الإغلاق المتخذة لمحاربة جائحة فيروس كورونا، اختارت أخرى التريث مخافة ظهور موجة ثانية من الإصابات، فيما أوصت منظمة الصحة العالمية اليوم بضرورة أن يكون أي رفع لإجراءات العزل العام المفروضة لاحتواء فيروس كورونا تدريجياً، وقالت إنّه إذا جرى تخفيف القيود قبل الأوان فستكون هناك عودة للعدوى.

وسبق لمنظمة الصحّة العالمية أن حذّرت من العودة إلى الحياة في ظل انتشار الفيروس، كما قالت ممثلة المنظمة في روسيا، “ميليتا فوسنوفيتش”، أن موجة ثانية لا مفر منها لجائحة فيروس كورونا المستجد ربما تأتي.

كما حذّرت المنظمة قبل أسبوع واحد أوروبا من التراخي في إقرار تدابير التباعد الاجتماعي.. مشيرة إلى أن 46% من الوفيات نتيجة الإصابة بفيروس كورونا في المنطقة الأوروبية وحدها “لا تزال في قبضة وباء فيروس كورونا”.

فيما قال المدير الإقليمي لمنطقة غرب المحيط الهادي في منظمة الصحة العالمية تاكشي كاساي، إنّ إجراءات العزل العام أثبتت فعاليتها وإنّه ينبغي على الجميع الاستعداد لأسلوب حياة جديد يسمح للمجتمع بالعمل مع استمرار جهود احتواء الفيروس.

وأضاف، في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، إنّ عملية التكيف مع الوباء ستكون هي الوضع الطبيعي لحين التوصل إلى لقاح للفيروس.

رفع الحجر تدريجياً:

تسعى عدة دول في العالم لرفع الحجر الصحي تدريجيا وسط غموض حول منحى وباء “كوفيد-19”.. وبالتوازي مع حصيلة وفيات في ارتفاع مستمر تجاوزت 77 ألفا بأمريكا وحدها، وجدت الولايات المتحدة نفسها في عزلة دبلوماسية نتيجة الأزمة الصحية، وكذلك رئيسها دونالد ترامب الذي يؤكد أن فيروس كورونا الجديد مصدره مختبر في ووهان، بؤرة المرض الأولى في الصين.

أما على المستوى الأوروبي فقد انطلقت عملية رفع الحجر في بعض الدول، غير أن الأكثر إصابة بالفيروس لا تزال تتريث.

ورغم سيرها بخطى تدريجية في اتجاه رفع الحجر، ستبقي أوروبا حدودها مغلقة حيث دعت المفوضية الأوروبية الجمعة الدول الـ27 في الاتحاد الأوروبي إلى تمديد المنع المؤقت للرحلات غير الضرورية إلى أراضيها حتى 15 يونيو.

ووسط مخاوف من حصول موجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا الجديد، تتجه دول كثيرة بحذر في اتجاه رفع الحجر المنزلي عن مواطنيها فيما ضرب الوباء بصورة خاصة الولايات المتحدة التي تواجه نسبة بطالة غير مسبوقة منذ ثلاثينات القرن الماضي.

ففي الولايات المتحدة يعود لكل من حكام الولايات اتخاذ قرار بشأن رفع الحجر في ولايته.. وتعتزم شركة آبل إعادة فتح متاجرها مغتنمة الإذن الصادر عن حكام إيداهو وكارولاينا الجنوبية وألاباما وألاسكا، ولو أن مهندسي المجموعة العملاقة للتكنولوجيا وقادتها في كاليفورنيا يواصلون في الوقت الحاضر العمل من منازلهم حتى إشعار آخر.

وهذا ما تجلى مع السماح بإعادة فتح المتاجر الصغيرة في لوس أنجلس، فلم يكن بعضها جاهزا وبقي مغلقا، فيما كان الإقبال نادرا في بعضها الآخر، في وقت لا تزال وتيرة الحياة بطيئة في كبرى مدن ولاية كاليفورنيا.

وفي روسيا ستكتفي السلطات باحتفالات محدودة أكثر مما كان يوده رئيسها بمناسبة “يوم النصر” عام 1945، في ظل الحجر المنزلي المفروض في العاصمة موسكو حتى نهاية مايو، وسيقتصر العرض العسكري على الجو، فيما حشد القادة الأجانب الذي كان فلاديمير بوتين يأمل في جمعه لم يعد سوى أمنية من باب الخيال.

وفي إيطاليا بدأ مواطنوها الذين يخضعون لإجراءات حجر صارمة منذ التاسع من مارس الدخول بسلسلة من إجراءات تخفيف العزل بعدما دفعوا ثمنا باهظا للوباء الذي أودى بحياة نحو 29 ألف شخص في شبه الجزيرة وخصوصا في منطقة لومبارديا (شمال).

وناشد مسئول الخلية المكلفة بمكافحة الوباء دومينيكو اركوري مواطنيه إلتزام الحذر مع بدء الإجراءات.. وقال “لا تتهاونوا.. الإثنين تبدأ المرحلة الثانية وعلينا أن ندرك أنها ستكون بداية تحد أكبر”.. مذكرا بأن “الحرية النسبية” التي ستمنح للإيطاليين الاثنين سيعاد النظر فيها إذا انتشر الوباء مجددا.

وينتظر الإيطاليون بفارغ الصبر القواعد الجديدة من إعادة فتح المنتزهات مع الإبقاء على مسافات بين روادها إلى إمكانية القيام بزيارات عائلية والاجتماع بأعداد محدودة وتنقلات تقتصر على حي السكن ولغرضي العمل والصحة فقط.

أما في فرنسا المجاورة والمتضررة جدا بالوباء أيضاً (24 ألفا و760 حالة وفاة)، فقد قررت الحكومة تمديد حالة الطوارئ الصحية السارية منذ 24 مارس، حتى 24 يوليو.. معتبرة أن رفعها سيكون “سابقا لأوانه”.. لكن إجراءات تخفيف العزل ستبدأ يوم غد الـ 11 من مايو بحذر كبير وبوتيرة متفاوتة حسب المناطق.

وفي إسبانيا وبهدف الحد من مخاطر تفشي الفيروس، سيجري رفع العزل عن جزء من البلاد فقط.. وتبقى معظم المدن الكبرى مثل مدريد وبرشلونة، خاضعة لقيود صارمة.

فسكان إسبانيا البالغ عددهم 47 مليون نسمة الذين يخضعون لعزل صارم منذ منتصف مارس، استمتعوا من جديد مطلع هذا الأسبوع بممارسة الرياضة والتنزه في الهواء الطلق.. فخرج العديد من السكان في مدريد وبرشلونة وغيرها من المدن لممارسة رياضة الجري أحياناً في مجموعات.

أما في النمسا فقد عادت الحياة للشوارع التجارية في فيينا مع فتح بعض المتاجر، بينما يتواصل تخفيف العزل في الدول الاسكندنافية التي لا تزال تفرض قيوداً وتباعداً اجتماعياً.

ألمانيا هي الأخرى بات رفع القيود في مرحلة متقدمة، وبدأت فتح المدارس اليوم الاثنين في بعض المقاطعات ويعود مئات الآلاف من الطلاب إلى مدارسهم، بعدما اضطروا إلى الاعتماد على التعلم عن بعد على مدار أسابيع بسبب جائحة كورونا.

وتقتصر العودة في بعض الولايات على طلاب المراحل الذين لديهم اختبارات نهائية العام المقبل، بالإضافة إلى أعلى صفوف المرحلة الابتدائية.

وأكد وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر في مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية الأحد أنه يؤيد استئناف دوري كرة القدم (بوندسليغا).

في سياق متصل، فتحت ألمانيا العديد من المتاجر أبوابها ضمن المرحلة الأولى من عملية طويلة لخروج البلاد من العزل؛ إذ بات فيروس كورونا المستجد “تحت السيطرة” فيها، وبات بإمكان محلات بيع الأغذية والمكتبات ووكلاء السيارات التي تقل مساحة متاجرها عن 800 متر مربع استقبال الزبائن.

وتعدّ هذه المرحلة الأولى ضمن إستراتيجية المستشارة أنجيلا ميركل وقادة مقاطعات البلاد الـ16 لإخراج ألمانيا من العزل.

المستشارة الألمانية قالت إنّ الأسبوعين المقبلين سيظهران إن كان تخفيف القيود جزئياً سيدفع معدل الإصابات للزيادة.

وأكدت ميركل أنّ على بلادها توخي الحذر والانضباط في حربها على فيروس كورونا لتفادي حدوث انتكاسة في الأسابيع المقبلة، مشيرة إلى أنّ سلطات بلادها غير قادرة على تتبع كل سلاسل العدوى للفيروس.

أما في النرويج فقد أعادت السلطات، فتح رياض الأطفال، وهي الخطوة الأولى في إطار رفع بطيء وتدريجي للقيود بالمملكة، عقب إعلان السلطات سيطرتها على تفشي المرض.

وبررت السلطات خطوتها -التي تأتي بعد نحو 6 أسابيع من الإغلاق- باعتبارات صحية تقوم على أنّ الأطفال عموماً يبدو أنّهم بمنأى عن العدوى، وبهدف أن يُسّهل هذا القرار عودة الأهالي إلى أعمالهم.

أوروبا الشرقية هي الأخرى فتحت المقاهي والمطاعم أبوابها الاثنين وخصوصا في سلوفينيا والمجر، باستثناء العاصمة بودابست.. أما في بولندا فأعلنت السلطات أنها ستستأنف العمل في الفنادق والمراكز التجارية والمكاتب وبعض المتاحف أيضاً.

وفي بريطانيا بلغ الوباء ذروته وفق قول رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي وعد بالكشف عن خطة رفع العزل الأسبوع المقبل.

وقدم جونسون خطة رفع تدريجي للعزل، مع أمل فتح المحلات والمدارس مطلع يونيو.. في الوقت الذي تريد الحكومة البريطانية فرض فترة حجر إلزامية على الواصلين إلى المملكة المتحدة جواً.

وكشفت صحيفة “ذي تايمز” السبت الماضي أن أحد الاحتمالات سيكون الطلب من مستخدمي وسائل النقل العام قياس حرارتهم قبل الخروج من منازلهم والبقاء فيها إذا كانت مرتفعة.

من جهتها ذكرت شركة “يوروستار” مالكة القطار الذي يعبر بحر المانش، أن المسافرين على متن قطاراتها ملزمون بوضع أقنعة واقية.

فيما قال متحدث باسم رئيس الوزراء، بوريس جونسون، إنّ السلطات بحاجة إلى التيقن من أنّ أي رفع أو تخفيف لإجراءات التباعد الاجتماعي لن يتسبب في موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا المستجد.

وفي مناطق أخرى في أوروبا، سيجري تخفيف بعض القيود في بلجيكا واليونان والتشيك وكرواتيا وأوكرانيا وألبانيا والدنمارك وهولندا.

وباشرت باكستان هذا الأسبوع تخفيف القيود المفروضة، فسمحت بإعادة فتح الأسواق والمتاجر الصغيرة، رغم أنه لم يتم احتواء الوباء بعد في هذه الدولة التي تعتبر الخامسة في العالم من حيث عدد سكانها.

وأقر رئيس الوزراء عمران خان بذلك، موضحا أن قرار رفع الحجر المنزلي اتخذ للاستجابة لوضع طارئ اجتماعي بالمقام الأول في بلد يعيش حوالي ربع سكانه تحت عتبة الفقر وفق البنك العالمي.. وقال خان الخميس “نقوم بذلك لأن سكان بلادنا في وضع صعب جدا”.

وفي كوريا الجنوبية أعلنت السلطات عن تسجيل 34 إصابة جديدة بفيروس كورونا الأحد في أعلى عدد من الإصابات اليومية منذ شهر.

وقالت المراكز الكورية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إن من بين الحالات الجديدة 26 حالة منقولة محليا و8 حالات إصابة واردة من الخارج.

ويمثل إجمالي عدد إصابات الأحد الأعلى منذ التاسع من أبريل .. وبعد مكافحة أول تفش كبير للفيروس خارج الصين لم تسجل كوريا الجنوبية أي حالات أو حالات محلية قليلة جدا خلال الأيام العشرة الماضية مع بلوغ الحصيلة اليومية لحالات الإصابة نحو عشر حالات أو أقل خلال الأسابيع الأخيرة.

وجاء هذا التفشي بعد أن كانت كوريا الجنوبية قد خففت للتو بعض قيود التباعد الاجتماعي وسعيها لإعادة فتح المدارس والمتاجر بشكل كامل.

وحذر الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه-إن من حدوث موجة ثانية من الوباء في وقت لاحق من العام ، قائلا إن التفشي الذي حدث في الآونة الأخيرة أكد تخوفا من أن الفيروس الذي يسبب مرض “كوفيد-19” يمكن أن ينتشر على نطاق واسع من جديد في أي وقت.

كورونا يعود الى ووهان الصينية:

عاد فيروس كورونا للظهور مجددا في مدينة ووهان الصينية التي اعتبرت منشأ تفشي المرض، بعد أسابيع من إعلان السلطات الصحية عدم تسجيلها أي إصابات جديدة فيها بمرض كوفيد-19.

وذكرت لجنة الصحة المحلية ، أنه تم تسجيل إصابة مؤكدة جديدة بمرض فيروس كورونا الجديد كوفيد-19 في مقاطعة هوبي بوسط الصين يوم السبت الماضي، وقالت اللجنة أن المريض أصيب بالعدوى محليا في عاصمة المقاطعة ووهان.

وخفضت مقاطعة هوبي إجراءات العزل والتقييد الطارئة لمكافحة فيروس كورونا الجديد، من المستوى الأعلى إلى المستوى الثاني في 2 مايو الجاري.

وهذه أول مرة يعاود فيها كورونا الظهور في المدينة التي اعتبرت مهد وجوده، بعدما كانت السلطات الصحية الصينية قد أكدت يوم السبت، عدم تسجيل إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد خلال الساعات الـ24 الماضية في مقاطعة هوبي، معقل الوباء، لليوم الـ35 على التوالي.

وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إنَّ الصين تخشى الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا في البلاد، بعد نجاحها في السيطرة على الموجة الأولى من الوباء.

وأضافت الصحيفة، إنَّ الصين لم تبلغ عن حالات إصابة جديدة بفيروس كورونا للمرة الأولى منذ يناير الماضي، لكن المخاوف مستمرة بشأن موجة ثانية محتملة من الإصابات تأتي من الخارج.

وحولت القيادة الصينية في الأيام الأخيرة اهتمامها نحو منع حدوث موجة ثانية من تفشي المرض، وزيادة إجراءات الفحص والحجر الصحي للمسافرين الأجانب الذين يصلون إلى البلاد.