هل نرى الصهيوني الوقح “نتنياهو” في السودان؟
د . خيام الزعبي*
كان السودان من أشد القلاع العربية التي تعلن معاداة إسرائيل، واليوم يجري تغييرات تبدو جذرية في موقفه مع الكيان الصهيوني الذي جمعته به عقود من العداء، وأصبح قطار تطبيع الخرطوم مع إسرائيل يوشك على بلوغ محطته الأخيرة خاصة بعد ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بتصريحات الخارجية السودانية التي تتطلع للسلام مع تل أبيب.
على خط مواز، فتح الإعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية الباب على مصرعيه أمام التكهنات بالعواصم التي سيتوقف عندها قطار التطبيع، وبرزت الخرطوم كمرشح قوي في هذا الإطار بعد رغبة تل أبيب في إنشاء علاقات علنية مع السودان، ربما يرجع ذلك إلى تحقيق انتصار سياسي يستطيع نتنياهو الغارق في أزماته استثماره في تسويق نفسه كقائد قوي استطاع إنجاز التطبيع مع مجموعة من الدول العربية دون أن يقدم أي تنازلات في المقابل لهذه الدول.
وعلى الجانب الأخر يبقى السودان ذا أهمية إستراتيجية بالغة لإسرائيل، فهو يقع في منطقة لها علاقات مع الكيان الصهيوني، سواء جارته الشمالية مصر، أو دول أخرى جارة في الجنوب كجنوب السودان وأوغندا وإريتريا، كما يعطي لإسرائيل دفعة قوية في توسيع حضورها الخارجي، فضلاً عن منافع اقتصادية كبيرة، منها منافسة قوى إقليمية، كتركيا والسعودية، تتسابق لكسب النفوذ في السودان.
كما أن تطبيع العلاقات مع السودان سيسمح لتل أبيب بإعادة آلاف السودانيين الذين لجأوا لـ”إسرائيل”، إعادتهم لبلدهم السودان، وهي خطوة ستلقى قبول الإسرائيليين الرافض لوجود هؤلاء اللاجئين لأسباب منها منافستهم للعمالة الإسرائيلية بالإضافة إلى كونهم غير يهود،حيث كان يجادل هؤلاء اللاجئون أنهم سيواجهون عقوبة السجن في حال العودة إلى السودان باعتبار “إسرائيل” دولة معادية يُمنع السفر إليها.
بالإضافة إلى أن التغيرات الجديدة في ملف الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني جعلت تل أبيب أكثر تحمساً من ذي قبل لبدء تعاون مع السودان، إذ يسعى الإسرائيليون تحقيق تقارب مع أكبر عدد ممكن مع الدول العربية في إطار محاولات تمرير ما بات يسمى بـ”صفقة القرن” التي تحظى بدعم من واشنطن وبعض العواصم العربية.
وبالنظر إلى تطبيع مصر والأردن وإريتريا والإمارات مع إسرائيل فإن الخطوة السودانية، إن تمت، قد تكون مقدمة لانخراط إسرائيل في هذه المشاريع تشكيل منظومة أمنية اقتصادية تضمن تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة معادية لإيران، من خلال محاولة الإمارات السيطرة على الموانئ الحيوية في البحر الأحمر،أو إنشاء منظومات جديدة تضمها.
اليوم تضغط الولايات المتحدة باتجاه تطبيع الخرطوم وتل أبيب مستغلة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في محاولة من الرئيس الأمريكي ترامب لتسويق ذلك كنصر لسياسته الخارجية وتعزيز فرصه الانتخابية في صفوف اليمين الأمريكي المحافظ واللوبي الإسرائيلي المتنفذ في الولايات المتحدة.
في مقابل ذلك، يأمل السودان الجديد في أن يفضي التطبيع مع إسرائيل إلى شطب اسم البلاد من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، بما يؤهلها للحصول على المساعدات الدولية، وهو ما سيتيح للخرطوم الحصول على قروض من المؤسسات الدولية، وفتح الباب أمام عودة السودان إلى النظام المصرفي العالمي، وهو ما قد يسهل الطريق أمام دخول الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.
رغم كل ذلك، إن الطموح الإسرائيلي لهذا التطبيع يواجه عقبات كبيرة أمام هذه المعادلة الكاسرة، وهي السودانيون أنفسهم المتمسكين بالقضية الفلسطينية من خلال الرفض الشعبي القوي داخل السودان لأي تطبيع لهذه العلاقات كون ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، فضلاً عن أن المرحلة الانتقالية في السودان محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولاً لعقد انتخابات حرة، ولا تملك هذه الحكومة تفويضاً بشأن التطبيع مع إسرائيل كل ذلك يضع العصي في دواليب هذا التطبيع.
وأختم مقالتي بالقول إن ما يجري حالياً من تطبيع مع الكيان الإرهابي، نرى نحن من مناهضي التطبيع مع هذا الكيان، إن الموقف الشعبي هو الدرع الأخير الذي لا يجوز خلعه، والذي يرفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى كما يرى إن أي عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني هي دفع له وتحفيز كي يزيد في انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني، والالتفاف على هذه الحقوق التي تعتبر الأمة الإسلامية كلها معنية بها وبالدفاع عنها.
* المصدر : رأي اليوم