مبارك حزام العسالي*

لا يبدو أن الرياض قد أدركت بعد دروس أحد عشر عامًا من الحرب العبثية على اليمن، ولا يبدو أنها استوعبت حقيقة أن النار التي أشعلتها في جسد اليمن لم ولن تبقى محصورةً داخل حدوده.


فسياسات المغامرة، والتخبط، والعناد السياسي الذي ميّز أداءَها طوال السنوات الماضية، لم تجلب لها إلا مزيدًا من الخسائر السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، حتى باتت تسير بخطى واثقة نحو الهاوية التي تحفرها بيديها.

لقد حان الوقت، بل تجاوز الوقت مداه، لأن تُعيد السعوديّة النظر في مواقفها المتهورة واستراتيجيتها العشوائية في التعامل مع اليمن، وأن تدركَ أن استمرارَها في النهج العدواني لم يعد يجدي نفعًا، لا في تحقيق مكاسبَ سياسية، ولا في فرض وصاية مرفوضة على بلدٍ عَصِيٍّ بطبيعته على الانكسار أَو الإذلال.

فاليمن اليوم أقوى مما كان عليه في بدايات العدوان، وأشدّ تمسكًا بسيادته وكرامته، وأكثر وعيًا بمسؤولياته التاريخية تجاه أمته وموقعه في معادلة الصراع الإقليمي.

حرب فاشلة ورهانات خاسرة

منذ عام 2015، خاضت السعوديّةُ ومعها الإمارات وعددًا من الدول التي انخرطت في تحالف العدوان، حربًا ضروسًا ضد اليمن تحت شعارات مضللة، فكانت النتيجة تدمير البنية التحتية، وتشريد الملايين، وتفكيك مؤسّسات الدولة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية إلى حَــدّ غير مسبوق.

ومع ذلك، فشلت في تحقيق أيٍّ من أهدافها المعلَنة، لا "إعادة الشرعية"، ولا "تحجيم النفوذ اليمني"، ولا حتى تأمين حدودها.

وما زالت حتى اليوم، بعد أحد عشر عامًا من الفشل والإخفاق، تتوهم أن بإمْكَانها عبر المناورات السياسية والضغوط الاقتصادية أن تُبقي اليمن رهينة للوصاية والحصار، متجاهلة أن الواقع تغيّر جذريًّا، وأن الشعب اليمني بات أكثر إصرارا على انتزاع حقوقه كاملة غير منقوصة.

اتّفاق صنعاء والرياض.. اختبار النوايا

لقد مثّل اتّفاق صنعاء والرياض، الذي جرى بوساطة عمانية ورعاية الأمم المتحدة، بارقة أمل لإغلاق صفحة الحرب، والانطلاق نحو مرحلة جديدة من السلام القائم على الندية والاحترام المتبادل.

لكن ما حدث لاحقًا يكشف أن الرياض لا تزال أسيرة عقلية الوصاية، ومكابرة في الاعتراف بحقوق اليمنيين الأَسَاسية.

فكيف يمكن الحديث عن سلامٍ حقيقي في ظل استمرار تجميد الأموال اليمنية المودعة في البنك الأهلي السعوديّ، وحرمان موظفي الدولة في اليمن من مرتباتهم المستحقة، وهي أموال يمنية خالصة؟

وكيف يمكن الوثوق بنوايا الرياض وأبوظبي وهما ما تزالان تُمسكان بخيوط الاقتصاد والسياسة اليمنية، وتتحكمان بمصير بلدٍ أنهكته الحرب، دون أي التزام بجبر الضرر أَو التعويض عمّا دمّـرتاه خلال أكثر من عقد من العدوان؟

رفع اليد عن اليمن.. مدخل السلام الحقيقي

إن رفع الأيدي السعوديّة والإماراتية عن اليمن هو المدخل الحقيقي لأية تسوية سياسية جادة.

فلا يمكن لأي اتّفاق أن يصمد ما لم تُعاد الأموال اليمنية المنهوبة، ويُعترف بحق الشعب في التعويض عن الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي خلّفها العدوان.

إن جبر الضرر ليس منّة من أحد، بل هو استحقاق قانوني وأخلاقي وإنساني، يجب أن يكون في صميم أية عملية سياسية مستقبلية.

أما الاستمرار في المماطلة والتلاعب بالملفات الاقتصادية والإنسانية، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الانفجار والتوتر، وستكون نتائجه كارثية على من يظنون أنهم بمنأى عن تبعاتها.

رسالة إلى الرياض وأبوظبي

إن الرسالةَ الواضحة اليوم هي:

كُفّوا عن العبث بمستقبل اليمن، وتوقفوا عن الغرور السياسي الذي أوردكم المهالك.

فاليمن لا يُحكم بالوصاية، ولا يُدار بالإملاءات، ولن يقبل أن يكون تابعًا أَو أدَاة في مشاريع إقليمية أَو دولية مشبوهة.

وكل محاولة لفرض الحلول من الخارج ستُقابل برفضٍ شعبي ورسمي قاطع، لأن اليمنيين قد خبروا كُـلّ أشكال الغدر، وتجاوزوا مرحلة الخداع السياسي.

وإن لم تدرك السعوديّة هذه الحقيقة اليوم، فستدركها غدًا وهي تسقط في الحفرة التي حفرتها بيدها، مصداقًا للمقولة العربية الشهيرة: "جنت على نفسها براقش".

ختامًا..

إن اليمن اليوم يمدّ يده للسلام العادل، القائم على السيادة، والتكافؤ، وجبر الضرر، لا على الاستسلام والإملاءات.

وإن من الحكمة أن تُعيد السعوديّة والإمارات حساباتهما قبل فوات الأوان؛ لأن الزمن لا يعود إلى الوراء، ولأن من يُصرّ على تجاهل دروس التاريخ محكومٌ عليه بأن يُعيد مآسيه.

فالخيار أمام الرياض واضح: إما سلامٌ يضمن لليمن كرامته وللجوار أمنه، أَو استمرار في الغرور الذي لن يقود إلا إلى الهاوية.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت