محمد محسن الجوهري*

لنا نعرف صاحب هذه العبارة والموقف الذي قالها بسببه، ولمن قالها ولماذا، وكلنا نعرف أيضاً أنه انقلب على ذلك الموقف وارتد إلى صف العدو الذي كان يسخر منه، لكننا في حينها اعتبرناه منه موقفاً عظيماً يستحق الاحترام، لكن الراسخين في السياسة يعلمون أن عفاش لا دين له ولا مبادئ، وعلى استعداد أن يساوم بأي موقف مقابل بعض المكتسبات الشخصية والعائلية.

والحقيقة أن عفاش جمع بسياسته تلك بين دهاء الشيطان وكيد النساء، ولولا عناية الله لتمكّن بذلك من تسليم العاصمة صنعاء لعصابات الجنجويد والمرتزقة ليرتكبوا بأهلها نفس ما يفعلونه في الفاشر من قتلٍ وإبادة جماعية وانتهاكٍ للأعراض، وقد ارتكبوا مثل هذه الأفعال في مناطق سيطرتهم بالساحل الغربي، وسكان الخوخة والمخا يشهدون على ذلك، فكيف لو سُنِحَت لهم الفرصة في صنعاء وشمال الشمال حيث المغريات الكبيرة.

إن مشيئة الله فوق كل مشيئة، ولولا فضل الله لتمكّنوا من ذلك، وحتى اليوم يأبى الله أن يتم مكرهم، وأن يسلّط عليهم من أنفسهم من يحول دون تنفيذ مخططاتهم. ومن كان يتوقع في التسعينيات مثلاً أن حزب الإصلاح سينقلب على عفاش ويغدر به وبسلطته؟ فقد كانوا حينها في خندقٍ واحد في مواجهة الشعب، وكنا نحسبهم جميعاً، إلا أن قلوبهم شتّى، ومن هنا تفشل كل مؤامراتهم وعمالتهم للخارج. ومهما اجتهد الأنصار في كشف كيد العفافيش، فإن الضربات الموجهة تأتي دوماً من حزب الإصلاح، فهم نقطة ضعف عفاش وآل عفاش، وسبب سقوط حكمهم وتشريدهم في الأرض بعد أن كاد عفاش في سنوات حكمه الأخيرة أن يقول: "أنا ربكم الأعلى".

وحتى مكر عفاش قبل فتنته الأخيرة ما كان لينكشف لولا عناية الله والخيانات القائمة في صف العدوان وتحالفه، فالأزمة الخليجية دفعت قطر والأطراف الموالية لها إلى كشف أوراق السعودية والإمارات في صنعاء، ومثل هذا التدافع لا يزال حاضراً في صفوفهم، وما الخلايا التي تتكشف يوماً بعد آخر إلا نتاج لعناية الله وللتدافع بين الفريقين المتصارعين في صف العدو.

ومن هنا نستطيع القول بألا خوف على المشروع القرآني، والرهان على الله وحده، وكما أفشل كل ما سبق من مؤامرات ومخططات إجرامية، فإنه كفيل بفضح أمثال ذلك في الحاضر والمستقبل، فالله يدافع عن الذين آمنوا وصدقوا في إيمانهم، وقد تجلى صدق الأنصار في واقعهم ونصرتهم لله والمستضعفين من خلقه في غزة وفي اليمن من قبل، ويكفي أنهم أنقذوا الملايين من أبناء صنعاء ومحيطها من مصير المديريات المحتلة في الساحل الغربي، وهذا عند الله من أعظم القرب إليه ومن خير الأعمال.

وفي المحصلة، فإن الأحداث المتتابعة تشهد بأن سنن الله ماضية لا تتوقف، وأن ما يخطط له الأعداء يتهاوى دائماً عند أول اصطدام بحقائق الميدان وبمشيئة الله التي لا يعلوها مشيئة. ومن أدرك أن قوة المشروع القرآني ليست في عدده ولا عدّته، بل في صدق اعتماده على الله، علم يقيناً أن المستقبل لهذا الخط، وأن كيد الطغاة مهما بلغ ضعيف ما دام وراءه باطل، وأن الحق باقٍ ما دام أصحابه ثابتين عليه. وهكذا يمضي الأنصار بمواقفهم وإخلاصهم صفحة بعد أخرى، يكتبون واقعاً جديداً ويغيّرون معادلات صنعها المستكبرون لعقود، حتى يُتمّ الله نوره ولو كره الكافرون.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب