طوفان الجنيد*

مر عام على الاتفاق المبرم بين لبنان والكيان الإسرائيلي بواسطة أمريكية وعربية ورعاية اممية الذي تضمن بنود أبرزها وقف أطلاق النار بين الطرفان والانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل المناطق الحدودية وتبادل الاسرى وعودة النازحين إلى مساكنهم في الجنوب وقد إلتزمت المقاومة اللبنانية بكل بنود الاتفاق، بينما ظل الطرف الآخر، "الكيان"، يعربد ويقصف ويغتال ويقتل المدنيين في مساكنهم وفي مزارعهم وحتى في طرقاتهم ويتمادى وينتهك كل الأجواء اللبنانية بما فيها العاصمة بيروت والتي استهدفها قبل ايام في بلدة حريك الذي اغتال فيها الشهيد القائد أبو على الطبطبائي رضوان الله عليه وخمسة من رفاقه المدنيين واصابة اخرين بكل صلف وكل وحشية وتعنت ناكثا بكل الالتزامات وضاربا بكل الاتفاقات عرض الحائط وبكل وقاحة وهمجية ليصبح الاتفاق الموقع مجرد حبر على ورق، ومصيدة للمقاومة ولشعب اللبناني كما خطط لها رأس الاجرام الامريكي والشر الصهيوني .

فمن طرف لبنان، كان الالتزام واضحاً وصارماً. إلتزمت المقاومة بالهدنة، ولم تطلق رصاصة واحدة ولم ترد حتى على الاعتداءات المتكررة ليس جبناً ولا ضعفاً بل إلتزام مبادئ دينية وقانونية ومصلحة الشعب اللبناني، وفرصة للناس كي تلتقط أنفاسها، لترميم ما تدمر وتخفيفاً من وطأة الأزمة الاقتصادية التي تخنق البلاد. كان الالتزام خياراً استراتيجياً، نابعاً من حسّ بالمسؤولية وإدراكاً لتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.
لكن من الطرف الآخر، كان المشهد مختلفاً تماماً. فبينما ترفع الدبلوماسية شعارات السلام، كانت آلة القتل تعمل بلا توقف. استمرت عمليات الاغتيال الميداني للقيادات والمضي في بناء الجدار الحدودي.

هذا هو جوهر التناقض: التزام من طرف واحد المقاومة اللبنانية لكن الكيان، الصهيوني المجرم بكل قوته ودعمه الدولي، يقتل ويخترق. إنه مشهد جلي عبر عقود من الزمن ويتكرر اليوم في غزة وجنوب لبنان، والسؤال الذي يطرح نفسه أمام المجتمع الدولي بكافة هيئاته هو إلى متى يمكن أن يستمر هذا الصلف الصهيوني وهذه المعادلة غير المتكافئة؟
يقولون إن "الاتفاقيات مقدسة" وملزمة لكل الأطراف الا الكيان الصهيوني ينتهكها ويدوس عليها وعلى القوانين الدولية وبعيد كل البعد عن المحاسبة.

الاختراق لم يعد مجرد خرق أمني عابر، بل أصبح سياسة اجرامية تهدف إلى تأكيد الدوافع الاجرامية والمشاريع الاحتلالية والاستكبار والهيمنة، يوهم العدو انه يستطيع فرض حساباته ويحقق بعض من اجنداته الخبيثة ولا يعي أو يتعظ من الاحداث التاريخية أن مقاومة الشعوب لا تنكسر وارادتها لا تنهزم وان الدم ينتصر على السيف دائماً.

وان الالتزام بالاتفاق اليوم هو دليل على القوة والانضباط، وليس الضعف. وهو يضع الكيان في الموقف المشين والمحاسب ويكشف عن طبيعته العدوانية التي لا تراعي أي عرف أو قانون.

ختاماً
هذا العام الذي مضى بكل ما حمله من خروقات وإبادات وتوحش هو شهادة أخرى على أن "السلام" الذي يطرحه هذا الكيان وبعض ادعياء السلام هو استسلام وليس سلاماً وهو سلام المتسلّط السفاح المضطهد للآخر، أما السلام الحقيقي، القائم على العدالة والاحترام المتبادل، فلا يمكن أن يولد من رحم الاجرام والعنجهية والاختراق والاستمرار في سياسة القتل.

لذلك، فان صبر الشعوب المقاومة والحر ليس بلا نهاية، وحسابه ليس سهلاً وان خيارات الرد ستكون حتماً قاسية ومختلفة والقادم اعظم وما النصر الامن عند الله العزيز الحميد.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب