هل يمارس العدو سياسة الخداع مجدداً؟
زهراء جوني*
في إطار التبرير للكذب والخداع السياسي، انطلقت إحدى الاتجاهات الفلسفية لربط الكذب والخداع بما يُسمّى "بالواقعية السياسية" التي نظّر لها "ميكيافيلي" في العصر الحديث، ثم عاد وتبنّاها الفيلسوف الأمريكي المعاصر "مايكل والتـزر- Michael Walzer " الذي سوَّغ في فلسفته كل أدوات العنف والكذب والخداع، في حالات الضرورة القصوى فقط، لا سيما في حالة أساسية، وهي حالة الحرب على "الإرهاب"، بحسب مفهوم والتزر. وقد لاقى هذا التبنّي معارضة لدى بعض المفّكرين الذين اعتبروا، أنّ هذا التنظير يحمل صبغة أمريكية استعمارية، وأنّه موقف مُراوِغ يهدف بالدرجة الأولى إلى تجميل صورة أمريكا وتقديم أعذار ومُسوِّغات لجرائمها وممارساتها في حق الشعوب العربية والإسلامية.
انطلاقاً من ذلك، كان بارزاً حجم الخداع والكذب الأميركي- "الإسرائيلي" في الآونة الأخيرة، وفي التعاطي مع عدد من الملفات في المنطقة من غزة إلى لبنان وصولاً إلى العدوان "الإسرائيلي" الأميركي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو سياق لا يمكن فصله عن طبيعة السياسة اللاأخلاقية واللاقيميّة التي يعتمدها الأميركي و"الإسرائيلي" كمبدأ أساس في أي قضية لا تتوافق مع مصالحهما وتوجهاتهما السياسية، وأحياناً قد تمتدّ لتطاول دولًا حليفة في إطار استكمال مشاريع كبرى في المنطقة والعالم.
وفي أجواء الحديث عن مؤشرات إيجابية يمكن أن تُفضي إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والحماسة التي أبداها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب الإشارة إلى توقيع الاتفاق مع بداية الأسبوع، والمعلومات التي روّجت لها الصحف "الإسرائيلية" عن استعجال رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لتوقيع الاتفاق والذهاب إلى الهدنة، في مشهد لا يتطابق مع المرات السابقة التي كان يتهرَّب فيها الأخير من أي اتفاق ويضع العراقيل لمنع تطبيقه والوصول إليه، كل ذلك دفع بعض المحللين والصحف الأجنبية لطرح سؤال حول جدّية المساعي والمواقف الأميركية "الإسرائيلية" هذه المرة، وهل يمكن أن نكون أمام اتفاق قريب فعلاً أم أنها جزء من سياسة الخداع والكذب السياسي التي يسير وفقها ترامب ونتنياهو؟.
وفي هذا السياق، طرحت مجلة "Responsible Statecraft" في تقرير لها إمكانية أن تكون زيارة نتنياهو إلى واشنطن مجرّد عرض سياسي، يخفي وراءه مخطّطات تُضخّم التوترات بدلاً من حلّ النزاعات المتجذّرة، ويربط المقال بين إعلان أجواء إيجابية تسود المسار السياسي المرتبط بغزة، وما سبقها من خطوات توحي بالتصعيد العسكري في القطاع والرغبة "الإسرائيلية" باستمرار الحرب، وهو سيناريو سبق أن شاهدناه في التعاطي الأميركي "الإسرائيلي" مع ملف إيران ولكن بطريقة معكوسة، حين أوحى الطرف الأميركي باستكمال المسار الدبلوماسي والرهان عليه، فيما كان العدو "الإسرائيلي" يحضّر لضربة عسكرية على إيران بقرار ودعم ومشاركة أميركية. فهل يتكرر السيناريو في غزة مجدداً ويتم الإيحاء باقتراب الحل السياسي، فيما تحضّر "إسرائيل" ومعها الولايات المتحدة الأميركية جولة جديدة من التصعيد في غزة واستكمال عملية الإبادة بحق الشعب الفلسطيني؟.
هذا السؤال مرهون بالخيارات الأميركية - "الإسرائيلية" في المرحلة المقبلة، وكيف يتم التعاطي مع ملف غزة بكل أبعاده العسكرية والسياسية والأمنية في "الكابينت الإسرائيلي" والكونغرس الأميركي. فهل يكون الخلاف الذي يتعمّق ويكبر بين الجهات العسكرية والسياسية داخل الكيان وحرب الاستنزاف دون تحقيق الأهداف وارتفاع الخسائر والأحداث الأمنية الصعبة لجيش العدو دافعاً لوقف الحرب ولو مؤقتاً؟، وماذا في جعبة الولايات المتحدة الأميركية من خيارات؟ وما أولوية ترامب اليوم؟ هل يكون الحل السياسي في القطاع مقدّمة لفتح جبهات أخرى وإيران جزء منها، أو إرساء التهدئة المؤقتة في المنطقة للتفضِّي للملفات التي يعتبرها الجانب الأميركي أكثر أهمية وتحديداً ملف الصين؟.
مهما كانت الخيارات، المؤكّد أنّ المنطقة تعيش مرحلة مفصلية وحساسة، وأنّ المخطط الذي تديره الولايات المتحدة الأميركية بأداة "إسرائيلية" سيحمل معه أكلافاً صعبة، لكنها في النهاية ستفضي إلى المزيد من الاستنزاف والدوران في حلقة مفرغة، فما عجز العدو عن تحقيقه سابقاً سيكون من الصعب إنجازه بعد النتائج التي أفضت إليها الحرب الأميركية الإسرائيلية على إيران.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب ـ موقع العهد