الانتخابات العراقية.. معترك مرتقب وأيادٍ تعبث بأصابع الشيطان
السياسية || كيان الأسدي*
لا يخفى على أحد أن كل مخاض سياسي في العراق يولّد حكومة بأسلوب مختلف، فتارةً تكون الولادة طبيعية محفوفة بآلامها وتحدياتها، وتارةً أخرى لا تتم إلا بتدخل جراحي عسير ينقذ البلاد من حالة انسداد شديدة. أما اليوم، فيبدو أن المخاض القادم محفوف بمخاطر جديّة تهدد كيان العراق السياسي، وقد بدأت معالم تلك الأخطار تتشكل أمام أعيننا.
العراق، بحكم موقعه الجيوسياسي، لا يمكن عزله عن تطورات الإقليم. فهو جزء من محور المقاومة، شئنا أم أبينا، يتجلى ذلك في خطاب حكومته ومواقف فصائله المقاومة. وحينما تتبنى الدولة العراقية موقفًا واضحًا ضد الكيان الصهيوني، فإن العقلية الأمريكية تقرأه فورًا على أنه تموضع في "محور المقاومة"، مما يستدعي – بحسب منطق واشنطن – استخدام أدوات الضغط، وإن كانت هذه المرة بـ"القفازات الناعمة".
ولأن المواجهة المباشرة مكلفة، اتجهت واشنطن نحو تفكيك الجبهة الداخلية عبر تسقيط الرموز الوطنية، خاصة أولئك المحسوبين على محور المقاومة. فتفعيل الملفات القديمة، المفبركة أصلاً، بات سلاحًا مألوفًا. وهذه الملفات غالبًا ما تم إعدادها وتغذيتها بعناية في كواليس الحكومة السابقة، بأيدٍ كانت على وفاق واضح مع السياسة الأمريكية.
وما جرى مؤخرًا مع النائب حسين مؤنس - الذي يُعد من الوجوه البرلمانية البارزة في محور المقاومة - ليس سوى نموذج صارخ لهذا النهج. فقد سبق أن وضعته وزارة الخزانة الأمريكية على قوائم العقوبات بذريعة (دعم الإرهاب) والقصد فصائل المقاومة، واليوم يُراد لصق تهمة اغتيال إحدى الشخصيات الإعلامية بحقه، بذريعة مرتبطة بأحداث تشرين. ورغم نفي الجهات القضائية لهذه المزاعم وتأكيدها على الطابع المفبرك لها، إلا أن الإعلام المأجور لا يزال يعتاش على هذا الملف، مضخمًا الأكاذيب ومموّهًا الحقائق.
من هنا، يتضح أن عملية التسقيط هذه لنتكون الأخيرة، بل ستتواصل وتتصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات. والهدف واضح: إزاحة الشرفاء من طريق المشروع الأمريكي - الإسرائيلي في العراق، وإفراغ الساحة من الأصوات التي تعرقل مشروع التطبيع والهيمنة.
لذلك، فإن المشاركة في الانتخابات المقبلة لم تعد خيارًا سياسياً فحسب، بل أصبحت ضرورة وجودية. إنها معركة بين من يريد للعراق أن يبقى حرًا، مستقلاً، متصلًا بجذوره ومبادئه، وبين من يسعى لجرّه إلى حضن التطبيع وإدخاله رهينةً في حظيرة التبعية.
ولا يُخفى أن عيون "إسرائيل" على العراق لم تغمض يومًا، وأن أمريكا لم تتخلَ عن مشروعها للمعاقبة والتركيع. وما نشره معهد واشنطن - من مقترح أحد أعضاء الكونغرس بفرض عقوبات شاملة على شخصيات ومؤسسات عراقية لتجفيف ما يسمّونه "أذرع إيران" - ليس إلا دليلاً واضحًا على هذه النوايا.
ويبقى السؤال المطروح أمام هذا المشهد:
هل جاء دور العراق في دائرة الاستهداف مع اقتراب لحظة الحسم الانتخابي؟
* كاتب عراقي
* المقال يعبر عن رأي الكاتب