لماذا نفهم الملازم أكثر من المصحف الشريف؟!
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ببساطة، لأن القرآن الكريم نزل بلغةٍ غير لساننا؛ فالعربية الفصحى بالنسبة إلينا لغةٌ ثانية، لا تقلّ دراستها واستيعابها عن سائر اللغات الأخرى. ومهما اجتهدنا في دراستها وفهمها، فإننا نظلّ أقلَّ بكثير من مستوى الفصاحة العربية، حتى على مستوى الشعر الجاهلي، فكيف بذلك المستوى العالي من البلاغة التي جاء بها كتابُ الله الكريم.
أما بالنسبة للملازم، فقد حرص السيّد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- على أن يخاطبنا بأبسط العبارات وأقلّها كلفة. ولو شاء أن يخاطبنا بمستوياتٍ متقدّمة من البلاغة لفعل؛ إذ تظهر قدراته البلاغية في مواضع كثيرة من الملازم، وتعكس مستوى فهمه واستيعابه للكتاب الكريم. وبالتالي، فعندما يخاطبنا بتلك اللغة السهلة البسيطة، فإنما هو تواضعٌ منه للناس، وحرصٌ على أن يستوعبوا كتابَ الله وتوجيهاته. وهذا أيضًا مؤشّر على عظمته هو؛ لأنه حرص على أن يُقدَّم القرآنُ للناس، لا أن يقدِّم نفسه لهم.
وهذا التواضع هو من صفات ورثة الكتاب من آل بيت النبوة المطهّرة، فهم أذلّةٌ على المؤمنين أعزّةٌ على الكافرين، وتتجلّى معاني الذلّة للمؤمنين في السيّد حسين حتى في أسلوبه في التخاطب مع الناس، من خلال استخدام العبارات الدارجة بينهم؛ فكانت النتيجة أن تأثروا به كثيرًا، وأثّروا لاحقًا في غيرهم. وما نراه من آثار كبرى للمشروع القرآني، فهو بفعل تلك النوعية من الناس التي تهتمّ بنفسية الآخرين حتى تجعل منهم أمة مؤمنة على أرقى مستوى من الوعي.
ولو عقدنا مقارنةً بسيطة بين السيّد حسين ودعاة الثقافة، لوجدنا بونًا شاسعًا من المعرفة بين الطرفين؛ فالمثقّف الليبرالي أو غير الليبرالي يحرص على تقديم نفسه أكثر من المادة التي يقدّمها. ولذلك، تراه يُجهد نفسه في تنميق العبارات واختيار الألفاظ الجزلة حتى يبدو عميقًا في نفوس من يتابعه، وهذا يكشف عن عقدٍ نفسيةٍ كثيرة لا يخلو منها أحدٌ من أدعياء الثقافات المزعومة في مجتمعنا اليمني.
بالمقابل، ترى الشهيد القائد يقدّم الأفكار العظيمة – وهل هناك أعظم من آيات الله؟ – ولكن بالألفاظ الدارجة المفهومة لعامة الناس؛ فهو يخاطب الناس بمستوى عقولهم، ويحرص على أن تصل أفكاره العميقة إلى نفس كلّ واحدٍ منهم، مهما كان مستواه الفكري والثقافي، بل وحتى الاجتماعي. فالسيّد لم يحرص على مستوى اجتماعيٍّ معيّن، بل على الجميع، بدايةً من أكثر الطبقات استضعافًا، ومن منطقةٍ اشتهرت بأن سكانها من أبسط الناس فكرًا وثروةً، واستطاع بصبره وإيمانه أن يجعل منهم أساطين في العلم والدين والسياسة.
ومن يرى في نفسه أنّه بمستوى معيّن من الثقافة، فعليه أن يراجع نفسه، وأن يرجع إلى الملازم، ويتأمّل الفارق بين الحق وبين ما يدّعيه لنفسه. وأنا أضمن له أن يتغيّر مستواه إلى الأفضل بدرجات، وأن يحظى بمراتب متقدّمة من الحكمة، من مصادرها الرئيسة: كتابِ الله وعترةِ نبيّه، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب