السياسية || محمد محسن الجوهري*

كلمة "رأسمالية" تشير إلى مصطلح عميق يصعب على عامة الناس إدراك معناه الفعلي والحقيقي، ولذلك فإن الأغلب لا يمانعون في التعايش مع هذا المفهوم رغم خطورته على واقعهم المعيشي، فالرأسمالية جعلت من حياة البشر مأساة وكارثة كبرى لصالح أفراد ومؤسسات بعينها، وجعلت من الغرب، خاصة الولايات المتحدة، حارساً يمنع انهيارها ويفرضها بالقوة في أغلب دول العالم.

والترجمة الأفضل للرأسمالية هي "السوقية" أو "السوقانية"، لأنها تشير إلى إحياء قيم السوق وجعلها ثقافة عالمية على حساب المبادئ والقيم النبيلة، وكما قال أدولف هتلر في كتابه "كفاحي" إن اليهود يسعون لفرض نبالة المال على حساب نبالة الفروسية، أي أن التمييز بين الناس لا يكون بالقيم والأخلاق بل بالمال والثروة، وهذه تتعارض مع الفطرة السلمية للبشرية، فبنو الإنسان يعلمون أن القيم والمبادئ فوق المال، وأن المال مجرد وسيلة لا غاية، لكن هذا الفهم يراد له أن يتلاشى بفعل الرأسمالية الغربية التي جعلت من المال ديناً جديداً للعالم.

ورغم أن الرأسمالية تقدم نفسها كنظام اقتصادي يحفز على الابتكار والنمو، إلا أن الحقيقة تكشف أن هذا النظام قائم بالأساس على مبدأ وحيد: تحقيق الربح بأي ثمن. هذا التركيز المفرط على المكاسب المالية لا يعكس فقط مبدأً اقتصاديًا بحتًا، بل يفتح الباب واسعًا أمام سلوكيات ضارة، تجعل من الإنسان مجرد أداة سوقية تخدم مصالح رأس المال دون اعتبار للقيم الإنسانية أو البيئة.

في جوهر الرأسمالية يكمن دافع جشع لتحقيق أقصى ربح ممكن، حتى لو كان ذلك على حساب صحة الإنسان أو البيئة أو الحقوق الأساسية للعمال. التلوث البيئي المتعمد، استغلال العمال بأجور زهيدة وظروف عمل قاسية، التلاعب بالأسعار لتحقيق احتكارات، كلها ممارسات باتت جزءًا من واقع الأسواق الرأسمالية. هذه الظواهر تعكس فقط فشلًا أخلاقيًا فادحًا، وتكشف عن هشاشة النظام الذي يترك مصلحة المجتمع كليًا خارج المعادلة.

كما أن الرأسمالية، وبدافع حرية السوق، لا تضع قيودًا أخلاقية صارمة على الشركات أو الأفراد، بل تعتمد على قوانين ضعيفة أو متأخرة في مواجهة التحايلات والاختلالات. وغالباً ما تصاغ تلك القوانين تحت ضغط الشركات الكبرى التي تستغل ثغرات النظام لتكريس هيمنتها. النتيجة؟ سوق تُحكمه قواعد غير مكتوبة تقوم على الجشع والأنانية، وتفتقد لأي مراقبة حقيقية تضمن العدالة الاجتماعية.

وأبرز تلك القوانين المفروضة على الدول لصالح ثقافة السوق الرأسمالية تضمن تقليل دور الدولة إلى أدنى حد، لتعزز بيئةً محكومة بمنطق الربح، ولتهيمن الشركات الكبرى على الاقتصاد والموارد، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة وضياع المشاريع الصغيرة، وتزايد الفوارق الاجتماعية بشكل هائل. فبدلًا من أن يكون السوق أداة لخدمة الإنسان، أصبح ساحة صراع تتغلب فيها القوة الاقتصادية على القيم الإنسانية.

الأزمة المالية العالمية عام 2008م كانت دليلاً صارخاً على فشل الرأسمالية في حماية المجتمع من جشع الشركات والمؤسسات المالية الكبرى. كما أن التدهور البيئي المتسارع الناتج عن الاستغلال المفرط للموارد يشير إلى أن هذا النظام لا يمتلك أي رؤية مستقبلية مستدامة. في ظل هذا الواقع، يصبح الإنسان في الرأسمالية "سوقيًا" بمعنى سلبي، يسعى فقط للربح بأي وسيلة، ولا مكان فيه للضمير أو العدالة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب