محمد محسن الجوهري*

مع اقتراب موعد كأس العالم الذي يفصلنا عنه أقل من عام، تتكاثف التحليلات وتتصاعد موجات التوقع بين الخبراء والمتابعين بحثًا عن هوية البطل المرتقب. ولكل محلل منهجه الخاص وأدواته التي يعتمد عليها في رسم ملامح المشهد النهائي. وبوصفي متابعًا لهذا الحدث العالمي، أجد أن لديّ كذلك منهجيتي ومعاييري التي تدفعني لترجيح كفة منتخبٍ على آخر في سباق التتويج.

وبما أن المنتخب الإسباني يحمل لقب النسخة الأخيرة من كأس العالم، فإنني أرى أنه المرشح الأبرز للاحتفاظ باللقب، تمامًا كما فعل الجيل الذهبي في الفترة بين 2008 و2010. فقد توّجت إسبانيا حينها بكأس أوروبا عام 2008، ثم واصلت تألقها لتحصد كأس العالم بعد عامين فقط، قبل أن تُكمل سلسلة إنجازاتها بتتويج جديد في يورو 2012. كان ذلك العصر الذهبي أحد أكثر المواسم رسوخًا في تاريخ الكرة الإسبانية، وقد يملك الجيل الحالي المقومات اللازمة لكتابة فصلٍ جديد من التفوق ذاته.

يدعم هذا الحدس عاملٌ آخر لا يمكن تجاهله، يتمثل في أن نسخ كأس العالم التي ينتهي عامها بالرقم ستة غالبًا ما تذهب إلى منتخبات تنتمي إلى العالم اللاتيني. ففي مونديال 2006 توّجت إيطاليا باللقب بعد إقصائها للمنتخب الألماني مستضيف البطولة آنذاك. وقبل ذلك بعشرين عامًا، وتحديدًا في نسخة 1986، نجحت الأرجنتين في اعتلاء منصة التتويج بقيادة الأسطورة دييغو مارادونا. واليوم، وبما أن نسخة 2026 ستُقام جزئيًا في المكسيك، البلد الذي شهد تتويج الأرجنتين التاريخي، فإن هذا الترابط يمنح إسبانيا— بوصفها امتدادًا للهوية اللاتينية في أوروبا— ترجيحًا إضافيًا يعزز فرصها في المنافسة على اللقب.

سبب إضافي يدعم ترجيح فوز إسبانيا هو أن هذا المنتخب أصبح أول فريق أوروبي يتوّج بكأس العالم خارج حدود أوروبا التاريخية، وهو إنجاز يميّزه عن أغلب القوى الأوروبية الأخرى. فقد أظهرت إسبانيا في مونديال 2010 قدرة فائقة على التأقلم مع القارة الأفريقية، حيث لم تشكل الأجواء المختلفة أو السفر الطويل أو الفوارق الحرارية أو ارتفاع الملاعب أي عائق أمامها. وبالنظر إلى أن مونديال 2026 سيُقام خارج أوروبا، فإن هذه ميزة تمنح الإسبان الأفضلية في التعامل مع الظروف الجديدة.

وثمة أسباب أخرى منها تراجع الأداء للفرق التقليدية مثل ألمانيا والبرازيل وإيطاليا، وقد رأينا كيف تدهورت مستوياتها في المونديالات الأخيرة، وباتت في وضعية لا تؤهلها للمنافسة على اللقب، وإذا كان هناك فريق آخر قد ينتظر إسبانيا في النهائي فهو الفريق الأرجنتيني، حامل اللقب وصاحب الفوز التاريخي في مونديال 86 في أميركا الشمالية.

ولكن ماذا عن توقعاتنا للفرق العربية؟

يُتوقع بعض التحسن في أداء المنتخبات العربية، خصوصًا بعد المستوى المشرف الذي قدمه المغرب في مونديال قطر، مما قد يشجع فرقًا أخرى على الظهور بمستوى منافس يسعى لكسر التفوق المغربي. ومع ذلك، يبقى من المرجح أن تواجه هذه الفرق صعوبات كبيرة في الوصول إلى الأدوار المتقدمة، وفي حال لم تتمكن من تقديم أداء مميز، فإن هذا سيكون النتيجة المتوقعة لمعظمها في البطولة المقبلة.

وفي رأيي، يعكس الأداء الرياضي للمنتخبات العربية نمطًا مشابهًا لما نراه في ساحة السياسة، فهم يظهرون صرامة داخل المجموعة العربية، بينما يتسمون بالمرونة أو التساهل أمام الخصوم الأقوى. وقد لاحظت بعض الفرق العالمية أنها تتفاءل بملاقاة فرق عربية في مجموعاتها، إذ تعتبر وجودها بمثابة فرصة سهلة لحصد النقاط، وكأن الانتصار شبه مضمون، مما يسلط الضوء على محدودية القدرة التنافسية لدى هذه الفرق في معظم الأحيان.

وحتى الفيفا إذا أرادت أن تحابي فريقاً أكرمته بفريق أو فريقين من العرب، كما شاهدنا في مونديال روسيا عندما وضعت مصر والسعودية ضمن مجموعة البد المضيف، ولولا هذه المنحة لما حققت انتصاراً واحداً في دور المجموعات ولفشل الدب الروسي في الوصول إلى دور الــ 16، ولكانت فضيحة كروية للريس بوتين.

وفي الختام، يظل مونديال 2026 محطة مثيرة للتوقعات والتحليلات، سواء بالنسبة للمنتخبات الكبرى مثل إسبانيا، التي تجمع بين الخبرة والاستقرار والجيل الواعد، أو بالنسبة للفرق العربية التي تسعى لتكرار إنجاز المغرب في قطر. وبين العوامل التاريخية والفنية والاستراتيجية، وبين عوامل الصدفة والترتيب، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات عديدة، ما يجعل كل لحظة في البطولة القادمة فرصة للتشويق والمفاجآت. وفي النهاية، سيُبرهن الملعب وحده، بلا تحيز ولا حسابات مسبقة، من يستحق التتويج فعليًا.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب